هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوريا مرتين منذ مجيئه إلي البيت الأبيض. رغم انتخابه تحت شعار "أمريكا أولاً" في العام الماضي ضرب ترامب مطار الشعيرات بـ58 صاروخاً.. وفجر السبت الماضي شن هجومه الثاني بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا علي نحو أعاد إلي أذهاننا العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956. وقد مهدت إسرائيل للعدوان علي سوريا بضرب مطار التيفور. مما أدي إلي مقتل ثلاثة مستشارين عسكريين إيرانيين.
وقد تداخلت أفكاري إزاء الهجوم علي سوريا. فخطر لي أن أحلله من زاوية الروح العدائية العامة لدي الغرب تجاه المنطقة العربية. وكيف ورث الغرب ثقافة الصراع وروح التنافس المحموم. وخصال البغي والعدوان من آلهة الإغريق. الذين كانوا يتميزون بالعنف والجبروت. وروح الانتقام.. وكأن آلهة الإغريق بشر يقودون الحروب بين اليونانيين والطرواديين. وقد وقع اليهود تحت تأثير هذه الفسلفة خلال تفاعل الإغريق مع اليهودية.
لكن الواقع أن الضربة الثلاثية تأتي في إطار الصراع الجيوسياسي الدائر في سوريا منذ عام 2011. خاصة في ضوء الاحتلال الأمريكي لمناطق شمال شرق سوريا. وتعدد القواعد الأمريكية والغربية هناك تحت ذريعة حماية ودعم الأكراد.. وتسعي الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلي تحقيق أهداف استراتيجية عديدة في سوريا. وهي في الحقيقة أهداف تستمد أهميتها من أهمية منطقة الشرق الأوسط ذاتها. فهذه المنطقة تمثل قلب العالم.. وتربط جغرافياً بين أربع قارات. وتتحكم في الملاحة الدولية بحكم البحار والمضايق. التي تطل عليها.. وتحتوي علي ما يزيد علي ثلث مخزون الأرض من النفط والغاز. وهما الهدف الرئيسي للحرب. وذلك بشهادة زعماء الغرب أنفسهم.. فالولايات المتحدة أصبحت علي يقين بأنها لا يمكنها أن تبقي القوة الكونية الأولي ما لم تحقق الأهداف التالية: "تحرير أوروبا من الهيمنة الروسية. فيما يتعلق بالطاقة.. بنقل الغاز القطري عبر أنبوب يمر بالأراضي السورية وتركيا.. وهذا الأنبوب يمثل الخيار الأخير بعد إفشال روسيا كل الخيارات السابقة بنقل الغاز من بحر قزوين. وجنوب القوقاز.. وقد واجه هذا المشروع معارضة من النظام السوري. بإيعاز من روسيا. فكان لابد من تغيير النظام. وبعد تدخل روسيا ومنع سقوط بشار.. أصبح احتلال أمريكا لمناطق من سوريا وتفكيك هذا البلد لخلق كيانات شمال البلاد. بما يسمح بتمرير هذا الأنبوب.
ــ التحكم في المخزون الهائل من الغاز. الذي تم اكتشافه أمام سواحل سوريا ولبنان.
ــ إعادة رسم الحدود في المنطقة وفق شروط قومية ومذهبية ودينية بما يساعد علي بروز دويلات ضعيفة موالية للغرب. بما يسمح له بالتفرغ لمحاصرة روسيا والصين علي حدودهما. لذلك فإن الحديث عن انسحاب أمريكي من سوريا يصبح بلا معني ما لم يتحقق اتفاق أمريكي ــ روسي.