محمد جبريل
محمد رسول الله والذين معه "4"
يعرض عبدالحميد السحار لقصة إيمان إبراهيم الخليل بالله الواحد. منذ بدأت الشكوك تساوره في عبادة أهله للأصنام التي يصنعونها.
كان يمضي غالبية وقته يرقب أباه وهو ينشر الخشب. ويشكله في مهارة عجيبة.. كان يصنع تمثالا علي هيئة انسان. إلا أن أذنيه كبيرتان. وكان ذلك الانسان يحمل السلاح المقدس. ويربض تحت قدميه وحش. وبعد أن ينتهي من صنعه يضع علي رأسه تاجا. ويلبسه رداء مثل الذي يرتديه الكهان.. وقال لأبيه ذات يوم: إن للتمثال آذنين كبيرتين يا أبي. أكبر من آذاننا.
قال الأب الذي صنع التمثال بيده:
- إنه مردوخ رب الأرباب يا بني. وهاتان الأذنان الكبيرتان ترمزان إلي فهمه العميق:
وتعددت رؤية إبراهيم للتماثيل التي صنعها بشر. وجعلوا منها آلهة يدعون الناس لعبادتها. وقال آزر - والد إبراهيم - له يوماً:
- اذهب يا بني واركع لكبير الآلهة. رب الأرباب. ملك الملوك.
وغادر إبراهيم المعبد. دون أن ينفذ رغبة أبيه.. سأله أبوه: لماذا لم تركع لكبير الآلهة يا إبراهيم؟
ظل إبراهيم صامتا. فقال الأب في نبرات حالمة: عندما تكبر يا إبراهيم ستقف عند هذه البوابة "وأشار إلي بوابة المعبد" وتبيع للناس تماثيل الآلهة التي أصنعها. وستباركك الآلهة يا بني.
وظل إبراهيم علي عدم اقتناعه. يفكر في الآلهة. وفي الأصنام التي يصنعها أبوه بيديه. ويركع لها الكهنة والسحرة والمنجمون وملوك الأرض وعامة الناس.
وقف أمام المعبد يحمل تماثيل الآلهة بين يديه ويقول: من يشتري ما يضره ولا ينفعه؟ من يشتري ما يضره ولا ينفعه؟
بلغ نداؤه أذان الناس. فراحوا يرمقونه في استهجان أدركوا انه يسفه معتقداتهم وأحلامهم علانية دون أن يخشي عقابهم.. وحين هم أحدهم بضربه. منعه الآخرون: دعه لانتقام الآلهة فإنها ستثأر منه وسيكون العقاب الذي تنزله به رهيبا.
- لو تركناه فلتنزلن الآلهة علينا خسفا من السماء. إذا تركنا من ينال منها يمشي علي الأرض.
- انه فتي لم يدخل الإيمان قلبه. فلعل الألهة أن تهديه.
- لابد من تأديبه.
- إن أردت أن تكرم الآلهة فلا تدعها بين يديه. ادفع ثمنها وخذها.
- أنا لا أشتريها ممن يسخر منها ومنا.
ومضي الرجل بعد أن رمي إبراهيم بنظرة تطاير منها الشرر.. وعاد إبراهيم إلي ترديد ندائه: من يشتري ما يضره ولا ينفعه؟!
انشغل إبراهيم بالنظر إلي السماء وتأمل البحار والأنهار والسهول والوديان والجبال. والخضرة التي كست مساحات الأرض وقطعان الماشية والأنعام والناس باختلاف أحوالهم وأعمارهم.. همس لنفسه: هذا الكون لابد له من خالق. من إله واحد قوي قادر. فلو كان له أكثر من إله لذهب كل إله بما خلق وفسد هذا النظام البديع الذي يسود الكون.
وشرد إبراهيم في تأملاته: هذه الشمس تشرق من الشرق. وتغرب من الغرب. وهذا القمر يظهر في السماء هلالا صغيرا. لايزال يكبر حتي يكتمل بدرا ثم يبدأ في الصغر حتي يختفي فيتم بذلك شهر. وهذه الفصول تتابع. لا الصيف يسبق الخريف. ولا الشتاء يأتي في أوان الصيف.. نظام دقيق دبره صانع حكيم لا يمكن أن يكون واحدا من تلك التماثيل العاجزة.. إن لهذا الكون ربا قادرا ولكن من يكون ذلك الرب؟
للكلام بقية