الأخبار
ايهاب الحضرى
د. جمعة.. وغيبوبة الدراسات العليا!
بالشمع الأحمر
بطبيعة الحال لا أتابع خطب الجمعة التي يلقيها وزير الأوقاف. وقبل أن تتسبب كلماتي في ثورة أخري للوزير أسارع بتوضيح موقفي، فكل مافي الأمر أنني أكون في التوقيت نفسه جالسا في مسجد قريب من بيتي، أتابع كلمات خطيبه البعيد عن الأضواء، بينما الوزير يتصدر شاشة التليفزيون. ولولا أنني أعرف جيدا فضل الذهاب إلي الجامع مبكرا لتأخرت كي أستمع إلي فضيلته، فوسطية الدكتور جمعة تُعجبني كما يأسرني عادة حديثه المليء بالتسامح. غير أن تلك السماحة اختفت فجأة وتحولت إلي حالة انفعال هادر، تابعها كل من رأي الفيديو الذي تداولته مواقع التواصل بكثافة، ورصد وقائع مناقشة رسالة »تجديد الفكر الديني في الإسلام»‬ بجامعة الزقازيق، قبل أن تلتقطه بعض وسائل الإعلام.
وبعيدا عن بعض الكلمات الحادة في حق باحث الماجستير، فقد سلّط الوزير الضوء علي أزمة حقيقية تشهدها بعض جامعاتنا، وحسبما نقل موقع اليوم السابع قال د. جمعة بحزم:»‬يجب علي الدراسات العليا في كل الجامعات أن تفيق من غيبوبتها، فكل يوم يحصل باحثون علي درجات علمية بالدكتوراه والماجستير بطريقة سلق بيض». انتهي الاقتباس الذي نقلته بنصه، ويتضمن اتهامات بالغة الخطورة للبحث العلمي في بلدنا، تُعبر عن قناعة تبنيتُها لسنوات طويلة، وأنا أري حاصلين علي درجات علمية لا تمنحهم مقوماتهم سوي فرصة الحصول علي الشهادة الإعدادية بالكاد! لكني لم أكن لأتجاسر علي إعلان رؤيتي دون الاعتماد علي برهان، حتي قدم لي الوزير دليلا قاطعا علي صدق ظني، ومنحني الحق في التساؤل عن كيفية وصول رسالة الماجستير التي أثارت كل هذا الجدل لمرحلة المناقشة، مع ما احتوته من أخطاء واضحة، مرت رغم وجود اثنين من المشرفين كان كل منهما عميدا سابقا!
لم يفاجأ الوزير بالتأكيد خلال المناقشة بما نسبه الباحث إلي محمد إقبال من وصف فكرة الوطن بالأصنام الجديدة، بل ذهب إلي الزقازيق وهو علي علم كامل بها، لهذا كان ينبغي أن يكظم غيظه، ويكتفي بتوجيه انتقاداته بحدة، ويقرر عدم الموافقة علي منح الدرجة العلمية لصاحب الأطروحة، بدلا من وصفه بالغباء والجهل و»‬الحمورية»! وأنا شخصيا أتحفظ علي تلك الكلمات، لا لأنها تسيء للباحث فقط، لكن لأنها أخمدت ثورة تصحيح حقيقية في مجال البحث العلمي، كان يمكن أن تطلقها اتهامات الوزير المنطقية والمبررة عن رسائل» سلق البيض»، خاصة أنها تأتي بعد واقعة كشفتها الرقابة الإدارية خلال الشهور الماضية، وضبطت خلالها أستاذا بجامعة إقليمية يتقاضي رشاوي لتمرير بعض هذه الرسائل. لكن نقد الوزير شغل وسائل الإعلام عن القضية الأساسية، ودفعه لاستقبال الباحث والمشرفين، في لقاء ترضية لم يتضمن اعتذارا، لكنه انتهي بعبارات حفاوة من الجانبين!
القضية الحقيقية التي فجرتها الواقعة، هي أزمة البحث العلمي في مصر. وكل ما أتمناه أن يولي وزير التعليم العالي كلمات زميله وزير الأوقاف اهتماما يليق بها، فيفتح هذا الملف الشائك ويبحثه بجدية، بعدها يمكن أن ينتقد بدوره أسلوب تعامل وزارة الأوقاف مع ملف تطوير الخطاب الديني، الذي اقتصر علي تحويل خُطب كل جُمعة إلي موضوع تعبير، لا يتعامل بجدية مع الواقع الفكري المتأزم. فهذا التكامل الجاد بين الوزراء ونقدهم البنّاء لسياسات بعضهم، هو ما يضمن لأي حكومة أن تنطلق إلي الأمام وتحقق أهدافها المرجوة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف