احم احم !
هو حي لا سفير فيه ولا سفارة ومع ذلك يحمل هذا الاسم الخادع »حي السفارات». عندما أخبرت زوجتي منذ أكثر من عشرين عاما بأن لدينا فرصة ننتقل لحي في مدينة نصر اسمه حي السفارات سألتني مندهشة: وهل يسمح لغير الديبلوماسيين بالسكني في مثل هذا الحي؟ قلت وأنا أتقمص دور الواعظ: لا فضل لديبلوماسي علي صحفي إلا بالمحفظة، فقالت وهي تداعب محفظتي الخاوية: وهل تعتقد أن محفظتك تنافس محفظة الديبلوماسي يا زين الرجال؟ فقلت لها: وأنا أداعب الغويشتين إللي في إيدها: ما هو يا ست الستات إيد لوحدها ماتصقفش واهو غويشتين منك علي كام جمعية علي قرضين تلاتة من البنوك نغير الشقة وننتقل بقي نقلة لفوق فقالت: هو حي السفارات ده كومباوند زي إللي بنسمع عنهم؟ فأجبتها: لا مش أوي كده لكن اعتبريها يا ستي خطوة تمهيدية للكومباوند إللي بنحلم بيه.
لم تكدب الست الخبر وسلمتني الغويتشين راضية مرضية ولم أكدب أنا الخبر وأصبحت أهم عميل في البنوك المصرية ولو راجعت تقارير البنك المركزي لوجدت العبد لله صاحب فضل كبير في إقالة العديد من البنوك من عثرتها باستخدام السيولة المتوفرة لديها حيث حصلت علي عدة قروض مع شد الحزام علي البطون لتوفير المبلغ والانتقال لحي السفارات تمهيدا للقفزة الكبري بالانتقال للكومباوند المأمول، ذلك الكومباوند الذي هو مصير كل المصريين مثلما تؤكد لنا إعلانات التليفزيون التي تشعرنا أن من لا يسكن الكومباوند هو مواطن نص كم فاقد الأهلية.
في أول يوم لنا في حي السفارات قالت لي زوجتي: مش العمارة إللي جنبنا خطفوا منها عيل الصبح وهو واقف مستني اتوبيس المدرسة فقلت لها وانا أتقمص دور أحد الباشوات: طبيعي ده مجتمع أغنياء والعين عليه، المهم انتي بس خدي بالك من نفسك ومن البنات. وطبعا لم يكن ذلك الخبر الوحيد الذي نقلته لي زوجتي منذ انتقالنا لذلك الحي يعاني من كل العشوائيات التي تعاني منها بقية أحياء المحروسة مثل أكوام القمامة التي تنتشر في جميع الأنحاء ومثل استيلاء محلات السوبر ماركت والخضار علي أرصفة الشوارع دون رادع والكلاب التي تنتشر ليل نهار مهددة حياتنا وحياة أطفالنا حيث عقرت مؤخرا أكثر من مواطن ناهيك عن الشباب الذين يستغلون هدوء المنطقة نسبيا فيتخذونها مرتعا ترقد فيه سياراتهم حتي الساعات الأولي من الصباح يتناولون كل صنوف المخدرات.
الغريب في الأمر أننا في حي السفارات نحصل علي كل السلع والخدمات كما لو كنا سفراء بجد فتري أسعار الخضراوات والمنتجات في أي سوبر ماركت مثلا ثلاثة أضعاف سعرها في أي مكان، وأتوقع أن تتضاعف طبعا عشرات المرات بعد قرار زيادة رواتب ومعاشات الديبلوماسيين والوزراء وبأثر رجعي رغم أن حي السفارات لا سفير فيه ولا وزير لكن الصيت ولا الغني، ولك أن تعلم أن أي صنايعي كهربائي مثلا أو سباك يعتبر العمل لمدة ساعتين في أي شقة بالسفارات تساوي إعارة سنتين في الخليج لابد أن يعود منها بمبلغ يؤمن مستقبله كيف لا والزبون يسكن في السفارات ذلك الحي الذي أصبحت عالقاً فيه فلا أنا قادر علي الرجوع للأحياء الشعبية ولا قادر علي القفز للكومباوندات. هذا هو حالنا نحن أهل السفارات فكيف حالكم يا أهل الكومباوندات، هل وجدتم ما أخبرتكم به الإعلانات حقاً أم تراكم مثلنا قد رفعتم شعار »من ساب داره اتقل مقداره»؟