لقد من الله علي بعض الأسر والعائلات أن يخرج من أبنائها رجال يتمتعون بالفطنة ورجاحة العقل وقد تحقق ذلك في عائلة مالك بن النصر فقد كان هناك البراء بن مالك الذي كان مثالاً في التضحية والوفاء وها هو أنس بن مالك الذي تربي في جوار الرسول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فقد أخذت أم سليم بيدي ابنها أنس فأتت الرسول صلي الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هذا ابني وهو غلام كاتب فخدمته عشر سنين فما قال لي لأي شيء صنعته لم صنعته ولا لشيء لم أفعله لما لم أفعله. وقد كان أنس علي دراية بما يحب رسول الله صلي الله عليه وسلم وما يكره فالتزم بذلك حتي نال تقدير رسول الله صلي الله عليه وسلم ودعا له النبي صلي الله عليه وسلم حيث قال: "اللهم أرزقه مالاً وولداً وبارك الله. فكان له بستان يحمل الفاكهة في السنة مرتين. وكان فيه ريحان يجني منه ريح المسك".
لقد كان أنس بن مالك يفتخر بخدمة النبي لأنها شرف يطوق عنقه وبجانب ذلك كان يجيد الرمي وكان يعلم أبناءه الرمي ويتنافس معهم وفي أحيان كثيرة كان يغلبهم أي أنه كان يجمع بين خدمة الرسول صلي الله عليه وسلم وبين رعاية أسرته والنهوض بأعبائها. وقد روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد روي عنه ابن سيرين وقتادة والحسن البصري وغيرهم كثيرون. وكان من فضل دعاء الرسول له أن رزقه الله من صلبه ثمانين ذكراً وبنتين ومات وله من ولده وولد و لده مائة وعشرون ولداً تلك فضيلة الالتزام وبذل أقصي جهد في أداء المهام التي تقع علي عاتقه.
سوف يظل أنس بن مالك رمزاً ونموذجاً لكل الأجيال في تواضعه والنظر للخدمة في بيت النبوة بأنها شرف لا يدانيه شرف. انها مهنة لا يجب أن يأنف الرجال طالما كانت مهنة شريفة فاكتساب المال نتيجة عمل لهو أفضل شرف بعيداً عن الكسب الحرام وقد نهج طريق أنس كثير من الذين ضربوا الأمثلة في هذا المجال. وقد كان أنس يكني بأبي حمزة وكانت له ذؤابة فاراد أن يزيلها فنهته أمه وقالت: كان النبي يمدها ويأخذ بها وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يداعبه فقال له: يا ذا الأذنين مودة وحباً في شاب يتفاني في خدمته صلي الله عليه وسلم.
هؤلاء الرجال من أسرة مالك قد كان عمهم أنس بن النضر وقد أحزنه غيابه عن أول مشهد شهده رسول الله صلي الله عليه وسلم ولئن اشهدني الله سبحانه قتالاً ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون وقال: أعتذر إليك مما صنع هؤلاء وخلال ذلك كان يمشي في الطريق فلقيه سعد بن معاذ فقال: أي سعد والذي نفسي بيده إني أجد ريح الجنة دون أحد وأخذ يقاتل بكل قوة حتي لقي ربه شهيداً. يقول أنس بن مالك: لقد وجدناه بين القتلي وتبين أنه نال بضعا وثمانين ما بين ضربة سيف وطعنة رمح وقد مثل به المشركون فما عرفه القوم حتي عرفته أخته ببناته وقد نزل في حقه قول الله عز وجل هو وأمثاله "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً".. رحم الله أنس بن النصر. ونأمل أن يقتدي به الابناء في هذه الأيام.