الأخبار
محمد السعدنى
«الكوربوقراط» يهددون العالم
في الفكر والسياسة

وكما فيما وراء الطبيعة أسرار وعوالم يصعب تصديقها، فإنه أيضاً وراء ذلك العالم الذي صنعناه من حولنا أحداث ووقائع يصعب التفكير فيها أو حتي تصديقها، فوراء ذلك النظام العالمي الغريب، تقف المؤسسة »الكوربوقراط»‬، ويقف رجالها أولئك القراصنة والقتلة المأجورون »‬الجاكلز» يحاولون اغتيال النظام المستقر للعالم والدول، ويصنعون عالماً جديداً علي مقاسهم وطبقاً لأطماعهم وأهوائهم، وهي بالضرورة لا تناسبنا ولا تستهوينا، لكنها تفرض علينا وتتلبسنا، ومن عجب فإن البعض منا يمارس علينا الغواية أن نندمج فيها ونعيشها كما مجذوب طاش منه العقل فراح يتطوح في حلقات »‬زار» أقامته »‬كودية» أروب خصيصاً لتغييب وعيه والسيطرة عليه واستلاب مقدراته.
و»الكوربوقراط» مؤسسة حاكمة في العالم الاستعماري كله، قديمه وحديثه وإن كانوا أكثر بروزاً في الولايات المتحدة الأمريكية، إنهم رجال المجمع الصناعي العسكري ورجال المال والبنوك ورؤساء الشركات متعدية الجنسيات وبعض الساسة والمتنفذين من الجنرالات وأساتذة الجامعات وأصحاب الفكر والرأي والمشاهير من رجال الصحافة والإعلام. وهم كما القتلة المأجورين، يمثلون الغواية للقادة والدول من العالم الثالث الفقير فكراً وإدارة. هم لا يعترفون بالنظام العالمي الذي صنعوه، ولا يقيمون للقانون الدولي أي اعتبار، واجهونا مرة منذ مائة عام في سايكس - بيكو وقسموا الدول كما يحلو لهم، وقابلونا مرة أخري في فرض الوصاية والانتداب، وفي الحربين العالميتين من أجل فرض النفوذ حتي علي بعضهم البعض، وقابلونا في الحرب الباردة، ثم استغرقونا في الجهاد ضد الشيوعية والكفر، وخلقوا لنا فزاعة القاعدة والجهاد، ثم جاءونا بـ»المحافظين الجدد» والفوضي الخلاقة، وبعدها فيما ادعوه بالحرب علي الإرهاب الذي صنعوه في داعش والفرق المارقة باسم الإسلام، والآن يلاعبوننا علناً في العراق وسوريا واليمن وليبيا وقبلهم فلسطين. ولعلهم مقتنعون أن سايكس - بيكو قد استنفدت أهدافها بعد مائة عام من توقيعها، فراحوا يعدون لخارطة جديدة للعالم، لا تكون فيها دول ولا قانون، لا شيء إلا هم الكوربوقراط والاستحواذ علي ثروات العالم. هذا ما تبدي واضحاً مؤخراً في الحرب علي سوريا.
في هذا المكان في 2016 كتبت لك أن الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية لن يكون هيلاري كلينتون، فهي طبعة قديمة من فكر مؤسسة ضاقت عليها كل »‬الباترونات» التي حاولوا تفصيلها، ولابد للمؤسسة أن تجدد نفسها ودماءها وأن تلعب علي المكشوف، وقلت سوف يكون دونالد ترامب هو رجل المؤسسة الجديد، إنه صاحب تاريخ قديم في عضوية الكوربوقراط، تجري فيه دماؤهم ولا يعتمل في رأسه الخاوي من كل شيء إلا الاستحواذ للمؤسسة علي الثروة، ثروة العالم الثالث، ثروة البترول والغاز ورؤوس الأموال المودعة في خزائنهم من منطقتنا ومن غيرنا وكيف يتصرفون للسطو عليها ولا يسمحون لأصحابها باستعادتها.
عندما كتبت ذلك لم يكن رجماً بالغيب، إنما قراءة موضوعية واعية لما رشح عن هذه المؤسسة »‬الكوربوقراط» من كتب وأفكار وحتي بعض الأفلام والمقالات، لقد مهدت المؤسسة لهذه اللحظة بكتابات صمويل هنتنجتون عن »‬صدام الحضارات»، وفرانسيس فوكوياما »‬عن نهاية التاريخ والإنسان الجديد»، وكتابات »‬توماس فريدمان» وفريد زكريا وغيرهم. وحتي في كتابات وأفلام جاءت من خارج المؤسسة ناقدة منددة بسياساتها، علي غرار ما نشره »‬جون بيركنز» في كتابيه »‬الاغتيال الاقتصادي للأمم 2004» و»التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية 2007»، وما كتبته »‬توماس هيلين» كبير مراسلي البيت الأبيض، وما جاء في فيلم »‬مايكل مور - فهرنهايت 9/11»، فيلم »‬الشبكة» وغيرها من كتابات وأفلام، ربما قدمها أصحابها في لحظة صدق مع النفس، أو خوفاً علي مآلات الإمبراطورية الأمريكية، أو كتبها بعض عملاء مخابراتهم تحت تأثير المصطلح المخابراتي »‬عبء المعلومة» حين أرادوا التخلص من الأرق والقلق وتأنيب الضمير، أو حتي طلباً لحماية أرواحهم بالاحتماء بالجماهير كرد فعل للفضيحة والصدمة.
ولعل للقصة روافد قديمة تعود لستينيات القرن الماضي، تحديداً يناير 1961 حين نبه الرئيس الأمريكي أيزنهاور وهو يسلم السلطة إلي جون كينيدي لخطورة »‬الكوربوقراط». حيث قال: »‬جئت إليكم مودعاً ومستأذنا في الانصراف، لكن لدي بعض الهواجس أريد أن أفضي بها لكم صراحة: إن هناك الآن مجموعة صناعية عسكرية مالية سياسية وفكرية تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأمريكية، ومع تفهمنا لظروف نشأة هذه المجموعة، فإننا لابد أن نحذر من وصولها إلي مواقع التأثير المعنوي والسياسي والعملي علي القرار الأمريكي، لأن ذلك خطر شديد علي المجتمع الأمريكي قبل أن يكون خطراً علي غيره، ومن سوء الحظ أن الثورة التكنولوجية التي تتدفق نتائجها علي عالمنا اليوم تساعد أطراف هذا المجمع الخطر وتزيد من قدراتهم وتمكنهم من السيطرة علي برامج الإدارة ومخصصاتها، خصوصاً أن قوة أموالهم توفر لهم تأثيرا فادح التكاليف علي مؤسسات الفكر والعلم والقرار السياسي». انتهي الاقتباس ولم تنته القصة بعد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف