الأخبار
طاهر قابيل
حلمك يا سي علام
اول سطر
في صغري كنت أشاهد والدي رحمة الله عليه جالسا وأمامه كتاب »أكل الدهر عليه وشرب»‬ اشتراه من سور الأزبكية يحمل عنوان »‬تفسير الأحلام».. وبعد أن يحكي لي بعض ما وجده من تفسيرات وحكاية سور الأزبكية بالعتبة وأنه كان ومازال قبلة الباحثين عن الكتب والروايات والصحف والمجلات بأسعار رخيصة يترك نظارة القراءة جانبا ليتابع أحد البرامج التليفزيونية.
ومنذ أيام جاءني صديق معتقدا أني مازلت أحتفظ بالكتاب الأثري.. وقبل أن أقول له إن الماضي يذهب مع صاحبه وأني للرؤيا لست مفسرا وجدته ينطلق مثل »‬ballistic missiles» بعيدة المدي أو عابرة القارات ويقول رأيت في منامي أني في قطعة من الأرض ليلا يشقها نهر من جنوبها إلي شمالها وعلي شاطئ النهر الغربي وجدت مدينة يقف بها مجموعة من الرجال يرتدون البدل والكرفتات ونساء يغطين وجهوهن بالمساحيق ويرتدين أفضل الثياب ويجلس حولهم أعداد غفيرة من مختلف الطبقات.. ووجدتني أعرف تلك الوجوه فقد شاهدتها تتحدث كثيرا علي مدي ما يقرب من عشرين عاما.. اقتربت من أحدهم فرأيته لا يفعل شيئا سوي التلاعب بنبرات صوته ارتفاعا وانخفاضا ويربطها بإشارات من يديه وهو لا يعلم أن الآذان والعيون من حوله تغلق أتوماتيكيا بعد »‬فيمتو ثانية» من بداية حديثه.. وبجواره آخر يتحدث بانفعال أشعر معه أني جالس في كشك خشبي أو من الصفيح بإحدي المناطق العشوائية شديدة الخطورة.
اتخذ صديقي مكانا قصيا عن التلاعب الصوتي والانفعالات ليري المشهد من خارجه فوجد أن الجميع يفقدونه الوقت في كلام متشابه ومكرر علي مدي ٣ ساعات.. وشاهد رجال ونساء كل العصور يتحدثون مع كل اتجاه بلغته ولا ينطقون إلا لو وضع أحدهم شفتيه في آذانهم فيرددون ما يقوله بدون فهم فتشتعل الحرائق والأزمات ويجرحون البسطاء.
هرب صديقي »‬علام» في حلمه إلي الشاطئ الشرقي للنهر ووجد نفسه نهارا والشمس ساطعة وشاهد بعض الوجوه الليلية التي رآها بالبر الغربي أمامه وكميات كبيرة من الأوراق مبعثرة علي الأرض التقط واحدة فوجد بها أسطر من الكلمات بعضها سميكة وأخري رفيعة وعندما انتهي منها لم يفهم شيئا.. ثم التقط كومة من الأوراق أحس منها أن كاتبها، عالم ببواطن الأمور وشريك أساسي في كل ما يحدث حولنا.. ووجد ورقة ينتقد فيها شخص ضل الطريق للكتابة، الحكايات البذيئة في رواية آخر »‬متأدب» بألفاظ وعبارات أكثر بذاءة وحقارة.. نظر صديقي نظرات عابرة لباقي الأوراق فشعر أنها موضوعات تعبير فبحث عن عود كبريت متقمصا دور »‬نيرون» وأحرقها.. قلت له مقهقهاً إنها أضغاث أحلام متداخلة ومضطربة وما أنا بتأويل الأحلام بعالم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف