صالح ابراهيم
نبات الريحان.. في شرفات الجيران!
السطوح.. علاقة معقدة.. علي مستوي المحليات.. من حين لآخر.. يتحمس الوزير المحافظ ورجاله في التنبيه علي المواطن.. من تأثير سلبي لسطوح المنازل.. علي المكانة الحضارية للمدينة وما تحمله "الكراكيب" التي يتخلصون منها.. بوضعها فوق السطوح.. كمأوي للحشرات والفئران والثعابين.. ومن المؤكد أن هذا التحذير يستثني منه بيوت القري التي يستخدم الفلاح السطح.. لتخزين القش والأخشاب ومستلزمات الوقود.. ومنها الأقراص المصنوعة من روث البهائم.. ويفضل العديد من الفلاحين السهر فوق السطح في ليالي انتصاف القمر.. خاصة ليالي الصيف والربيع.. ونستثني كذلك اسطح الأبراج.. المغلقة غالباً أمام الكراكيب.. البعض يقيم عليه غرف صغيرة تجد من يسكنها من الفارين من الأقاليم.. والفيلات مستثناة ايضا.. بما يعرف بغرفة الغسيل.. والحبال الممدودة فوق السطح.. وربما عند البعض.. هناك حمام سباحة مبتكر المكان.. فوق السطح.. وتبقي الظاهرة العامة اعتماد السطح غابة لإيريال التليفزيون وأطباق الفضائيات.
** علينا أن نتذكر أن النشاط العقاري تغلغل إلي سطوح العمارات قليلة الارتفاع.. في أعقاب الثورة.. ومع انتشار ظاهرة شراء المنازل القديمة وهدمها لإحلال الأبراج.. هناك من فكر من مواطني الطبقة المتوسطة خصوصاً.. يريد أن يبني شقة أو أكثر لأبنائه.. ولا يستطيع مواجهة الأسعار الفلكية للأراضي.. وتضاعفها عشرات المرات.. فيلجأ إلي أصحاب فيلا.. أو منزل قابل للتعلية.. يشتري السطح علي أن يتقدم صاحب المنزل القديم بطلب تراخيص التعلية من المحليات.. والجميع هنا فائز.. صاحب المنزل حقق منفعة تعالج آثار تدني الدخل للإيجار القديم.. والمشتري ضمن مساحة في حي راق.. يستطيع أن يقيم فيها شقة أو أكثر كاملة المرافق والخدمات.
** عندما انطلقت الفكرة لزراعة الأسطح.. بالوسائل المناسبة.. اعتمدت علي مخاطبة هاجس النظافة من الإيمان.. ووسيلة تلبي بنفقات رمزية جانبا رئيسياً من احتياجات سكان المنزل من خضراوات.. ونباتات زينة.. وطماطم.. واعتمدتها المدارس والمؤسسات.. واعتبرتها الإدارات التعليمية من ضمن الأنشطة.. وامتدت إلي المساحات الفضاء بالشوارع والميادين.. لتستخدم كحدائق منزلية وفرت لها هيئات النظافة والتجميل.. شتلات الأشجار وبرزت أصوات تدعو لزراعة الأشجار المثمرة في الشوارع.. ليستفيد منها الأهالي.. وتواكبت هذه الدعوات مع ما شهدته البلاد من تجريف للأراضي الزراعية.. وتبويرها لزراعة الأبراج والمنشآت وسط ما تبقي من حقول.. لتدخل دائرة التفكير المجتمعي التلقائي للتخفيف من كارثة التعديات علي الأراضي الخصبة في أنحاء البلاد.
** وفي الواقع لم نسمع عن محاولات في هذا الاتجاه.. ذات جدوي.. واقتصرت المساحات المنزرعة.. علي الاستعانة بأوعية مليئة بالطين.. أو أصص الشتلات.. ترص متجاورة.. ويتبرع السكان بجدول زمني لتبادل الري.. أو ضمن الأنشطة المدرسية كما أوضحنا والناتج القليل كان يوزع علي السكان المشاركين في الري والعناية.. وكذلك طلاب وأساتذة المجال الزراعي بالمدارس.. إلي أن استيقظ الناس ذات صباح علي خطوة قامت وزارة الزراعة فيما يشبه النداء.. لقد زرعت شرفات الديوان العام بالدقي.. بمجموعة منتقاة من النباتات العطرية.. والأخري المعروف امكانية استخدامها كشراب.. وأطلقت عليها الزراعة المائية.. "أي بدون تربة طينية" وزادت إلي ذلك أنه يمكن أن تزرع بها الأسماك الصغيرة.. في تغذية ذاتية غير مكلفة علي الإطلاق.
** دعت الوزارة المواطنين لتطبيق تجربة الزراعة ووعدتهم بالدعم الفني من مراكز ومعاهد بحوث الزراعة.. دروس للراغبين.. متابعة للفكرة.. التي أضافت الشرفات إلي الأسطح.. لتوسعة المساحة.. والتحول بالمبادرة من الرمزية إلي المنتجة.. وتنوعت بالفعل الباقة المختارة.. وتميزت بتواجد التقاوي لدي المحلات المختصة.. وزادت علي ذلك تقاوي وشتلات الزهور.. ما يفتح الباب لتشكيل جماعات لزراعة الأسطح.. في كل شارع وحي.. تتبادل الدعم والتنسيق.. ولكن الزراعة لم تشر لنقطتين مهمتين:
الأولي: كيف يمكن إيصال التجربة إلي مرحلة التسويق والأرباح.. خاصة أن ناتج المساحات الصغيرة.. سيكون قليلاً بالطبع.. يكاد يكفي لاستهلاك بضع ساعات.
الثانية: إهمال الإشارة إلي التجارب السابقة التي تعود إلي سنوات ليست طويلة.. ولكنها ترددت في أنحاء محافظات متعددة.. اتفق الجميع علي نقل الزراعة من الأرض الطيبة إلي الأسطح النظيفة.. وغرسوا التأييد للتجربة في نفوس أبنائنا التلاميذ.
** من هنا تواجه تجربة زراعة الريحان وأشقائه ذات الروائح الزكية.. في شرفات الجيران أزمة التعجل وإطلاق الحلول الجاهزة.. بدون آليات للنجاح.. خاصة أن زراعة الأسطح إذا ما ساندها المجتمع المدني.. لحققت انجازات متعددة.. علي صعيد النظافة.. وتجميل المكان.. وعائد مجز يرفع العبء عن الكثير من سكان البيوت البسطاء وليس أصحاب الأبراج.