الوطن
خالد عكاشة
صفقات متماثلة.. فى صراع غير متماثل!
فى سوريا ما يُسمى بـ«صفقات خروج المقاتلين»، هل يجوز ملاحقته أو الكتابة عنه بغرض تحليله، ناهيك عن كشفه، فهو يتم فى معظمه أمام شاشات البث المباشر. الحقيقة؛ الصفقات رغم أنها ليست الأولى، لكن من دون شك يكتنفها الكثير من الإثارة البالغة. ربما هذه المرة، أسماء «التنظيمات الإرهابية» التى يسمونها فى هذه الصفقات، بـ«المقاتلين المسلحين» وعائلاتهم، هى التى يمكن أن تصنع فارق الدهشة. وغياب الاحتفال المصاحب لخروجهم من مناطق وبلدات، ونقلهم بالباصات المكيّفة إلى مدن ومناطق أخرى، يمكنه أن يستدعى ما يختلف عن سابقتها، حيث ظل سؤال «الصفقة» مفتوحاً لم يجب عليها أحد، ولم ينتهِ أطرافها عن الانخراط فيها، رغم الدهشة وغموض المصير.

السبت الماضى؛ بدأت حافلات تقل مقاتلين من فصيل سورى مسلح ومدنيين، بالخروج من بلدات «القلمون» شمال شرق دمشق، فى إطار اتفاق، أبرم بين النظام السورى وفصائل معارضة برعاية روسية. وكالة أنباء النظام أعلنت رسمياً عن انتهاء عملية تجهيز «الدفعة الأولى» من الحافلات، أقلت المئات من مقاتلى المعارضة، من بلدات الرحيبة وجيرود والناصرية فى منطقة القلمون الشرقى، استكمالاً لتهجيرهم إلى الشمال السورى. وبيّنت الوكالة أن الحافلات سيتم تجميعها فى نقطة على أطراف بلدة الرحيبة، ليتم تسييرها بشكل قافلة إلى الشمال السورى مساء السبت.

ينص الاتفاق الذى أعلن التوصل إليه؛ أن يسلم مقاتلو المعارضة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ومستودعات الذخيرة، قبل إخراجهم إلى «جرابلس» بريف حلب، وإلى محافظة إدلب المجاورة. ويتكفّل الجانب الروسى، بتنظيم عملية الخروج نحو وجهتهم، وتفتيش القوافل لمرة واحدة، على أن يكون موجوداً فى كل حافلة شرطى روسى، وأن يسمح بحمل الأمتعة الشخصية والسلاح الفردى فقط. ومن ضمن بنود الاتفاق تتولى الشرطة العسكرية الروسية، مهمة حماية قوافل المهجّرين، منذ خروجها حتى وصولها، كما ستنتشر الشرطة الروسية على مداخل المدن، على أن تجرى تسوية أوضاع من يبقى داخل المدينة.

من بداية هذا الأسبوع وحتى الآن؛ وفق الإحصاء الروسى وبيان النظام الرسمى، تم تهجير (1500 مقاتل، و3500 مدنى) من مدينة الضمير 50كم شمال شرق دمشق، نحو «جرابلس» بعد الاتفاق المشار إليه، الذى أبرم مع فصيل «جيش الإسلام»، حيث مثل هذا «التنظيم الإرهابى» الطرف الآخر فى الصفقة المشار إليها، مع العلم أن تنظيم «جيش الإسلام» هو تحالف للمكونات السلفية المسلحة، قدّرت بنحو (50 فصيلاً) كان أكبرها (لواء الإسلام) الذى رعى عملية الدمج، عبر قائده «زهران علوش»، الذى تولى قيادة «جيش الإسلام» أيضاً. يعمل هذا المدمج الجديد لحساب تركيا منذ بداية تشكيله سبتمبر 2013، وصار محيط العاصمة دمشق وريفها مسرح عمليات «التنظيم» منذ هذا التاريخ.

قبل تلك الصفقة بأيام؛ كانت هناك أخرى تُعد على نار هادئة تقريباً بين الوسطاء ذاتهم، لكن هذه المرة كانت تخص تنظيم «داعش» ومقاتليه، الموجودين بمناطق فى جنوب العاصمة دمشق. جرت المفاوضات بين «داعش» والجانب الروسى داخل «مخيم اليرموك»، برعاية وفد المصالحة التابع للنظام، لبحث آلية خروج آمن من المنطقة وتجنيبها العملية العسكرية المرتقبة، الاجتماع ضم أبرز قيادات «التنظيم»، واستمر لأكثر من أربع ساعات، قبل مغادرة الوفد المفاوض عن النظام والروس إلى دمشق مجدداً، حيث رشح من هذا الاجتماع أن الروس ينوون إنهاء ملف الجنوب الدمشقى كاملاً، لتأمين محيط العاصمة بأقل الخسائر، عبر عروض قدّمها لخروج «هيئة تحرير الشام»، والآن هو يحمل ما قدّم كعرض مماثل لتنظيم داعش.

النظام وروسيا؛ عرضا سابقاً خروج «التنظيم» إلى ريف «السويداء الشمالى». فى محاولة منهما لخلق اضطراب بالقرب من محافظة السويداء والحدود الأردنية، وزعزعة الوضع الأمنى على تخوم ما يسيطر عليه التحالف الأمريكى الدولى. وعندما فشل هذا العرض، جاء الاتفاق الأخير ليقضى بخروج عناصر «التنظيم» إلى شرق سوريا، باعتبار انتقال هؤلاء إلى الشرق السورى المفتوح، يتيح لهم حرية الحركة فى جميع الاتجاهات، وقد يؤدى إلى النتيجة ذاتها. وعلى وجه الخصوص تهديد منطقة «التنف»، والنظام والروس بهذا التكتيك يحاولان إلقاء الكرة المشتعلة، فى ساحة الجانب الآخر «الأمريكى، الأردنى، العراقى» كى يحملوا، مجتمعين أو فرادى، عبء التهديد المستقبلى لـ«التنظيم»، خصوصاً والمرجح من هذه الصفقة أنها ستضمن إلحاق الخارجين من جنوب دمشق بمجموعات «داعش» المتمركزة بدير الزور فى الشرق أيضاً.

بالعودة إلى «الدهشة» مرة أخرى؛ يمكن تشكيلها عبر مجموعة من الأسئلة. ليست بالطبع متعلقة بالباصات التى تنقل، ولا بالأطراف والوسطاء الذين يتمّمون الصفقات ويؤمنون الوفاء بها. لكنها ترتبط بعمليات النقل التكتيكى للخطر، فدفع «جيش الإسلام» إلى الشمال، هو تكديس لكل حلفاء تركيا المدجّجين بالسلاح على خطوط تماس، قد تسمح مستقبلاً بابتلاع الشمال عبر هذه التنظيمات، تماماً كما جرى فى «عفرين»، بواسطة «الجيش الحر» السورى المدعوم من الجيش التركى. أو على الأقل؛ إعادة تدوير المشهد لإدخاله فى فصل جديد من الاقتتال ما بين ميليشيات تركيا والأكراد. وقبلاً هو يضمن لتركيا الإمساك برقم مؤثر ومسلح، فى معادلة المستقبل السورى.

الباحث أيضاً عن ضمان مماثل، هو من يقوم بالحفاظ على «داعش» على قيد الحياة السورية، عبر المساعدة على تجميع شتاتها فى مكان واحد جديد «الشرق السورى»، ويحقق بذلك ضغطاً على الخصوم، مع احتفاظه بالمنطقة النظيفة، وهذا واقعياً يعيد إنتاج مصطلح قديم نسبياً «سوريا المفيدة». وهذا مما يمكن فهمه من الانخراط العميق لروسيا، فى عمليات الإخلاء التى تتم على قدم وساق، لمدن وقرى بأكملها، من دون توافر الإرادة لقتال وهزيمة تلك التنظيمات على الأقل من القوات الروسية أو الميليشيات الإيرانية، فكلتاهما دخلت سوريا لقتال الإرهاب، فإذا بهما رعاة لأكبر عملية تغيير ديموغرافى لصالحهما، وصالح كل من يتوافق مع مخططهما، حتى لو كانت تركيا راعية ميليشيات الإرهاب ومطلقة شرارة الفوضى الأولى!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف