25 أبريل. تاريخ يثير في النفس ذكريات عزيزة.. بعد سنوات انكسار عشناها بعد 1967. وأنهتها بسالة جنودنا وبطولاتهم. الذين أنهوا خرافة خط بارليف. الذي أشاعوا عنه استحالة تدميره.. فضلاً عن استحالة عبور القناة.. ولكن الجنود عبروا.. وتسلقوا خط بارليف.. وتكفلت مدافع المياه بفتح ثغرات في خط بارليف.. اندفعت من خلالها دبابات ومركبات الجيش.. ليصبح لنا علي ضفة القناة الشرقية.. وعلي أرض سيناء الحبيبة. عشرات الألوف من جنودنا في الساعات الأولي من القتال.. الذين أنهوا في 6 ساعات معاناة كل مصري. استمرت 6 سنوات. مع وطأة هزيمة يونيه 1967.. ست ساعات أفقدت العدو توازنه.. وانتهت فيها أسطورة خط بارليف.. وسقطت نقاطه ومواقعه الحصينة في أيدي جنودنا الأبطال.. بما فيها موقع مدفع "أبوجاموس" أو هكذا أطلق جنودنا عليه هذا الاسم.. وكان هذا المدفع هو الذي يمطر السويس وبورتوفيق بقذائفه.. استسلم هذا الموقع.. وكانت أمامه الصورة الشهيرة لقائده الإسرائيلي المستسلم والمهزوم. وهو يؤدي التحية للضابط المصري المنتصر. وقد ارتفع العلم المصري الشامخ علي هذا الموقع الحصين.. وعادت إلينا جميعاً الروح.. ولكن الأمر استغرق من 6 أكتوبر 1973 حتي 21 أبريل 1982. ليكتمل انسحاب إسرائيل من شرم الشيخ.. وإن بقيت طابا.. وكان الاحتفال الرسمي برفع العلم في شرم الشيخ في 25 أبريل 1982.
أعود بالذاكرة أكثر من 36 عاماً إلي الوراء.. إلي نوفمبر 1981.. حيث كنت أشارك في مؤتمر دولي للسياحة في نيويورك.. عقب استشهاد بطل الحرب والسلام. الرئيس أنور السادات.. وفي تاكسي أقلني والصديق العزيز سعد رياض. الذي كان مسئولاً في ذلك الوقت عن شركة طيران أمريكية شهيرة. لم تعد موجودة الآن هي TWA وفي حديثنا معاً في التاكسي أدرك السائق أننا نتكلم العربية.. وعرف أننا مصريان.. فانطلق يلومنا لأننا سمحنا باغتيال الرئيس السادات.. ومضي الرجل يوبخنا.. كأننا مسئولان عن ذلك.. وبانفعال شديد وصل إلي حد البكاء حزناً علي الرئيس السادات. رحمه اللَّه.. هكذا كانت شعبية السادات في ذلك الوقت في أمريكا.. ولكن هذه ليست فقط النقطة التي أعود بذاكرتي إلي الوراء من أجلها.. رغم أهميتها في ذكري عودة سيناء.. والسادات هو صاحب قرار الحرب. التي ردَّتْ كرامتنا.. وهو أيضاً صاحب مبادرة السلام. التي استرددنا بها باقي أرضنا.. وإن بقيت طابا.. التي عادت بعد ذلك بمعركة قادتها الدبلوماسية المصرية بعد 25 أبريل 1982 بست سنوات.
في ذلك المؤتمر الذي شاركت فيه في أمريكا.. في عام 1982 جاء إليَّ أحد الصحفيين الأمريكيين المشاركين فيه.. وكنت قد تعرفت عليه في عدة مؤتمرات سياحية سابقة في أمريكا.. وطلب مني أن أسمح له بتقديمي إلي رجل.. قال عنه إنه صاحب مشكلة ستواجهها مصر في الأيام القادمة.. وأثار الرجل فضولي بهذه الكلمات. فقمت معه.. لنتجه إلي حيث قدمني إلي أحد المشاركين في المؤتمر.. واتضح أنه صاحب فندق "سونستا" الذي كان قد بُني علي الحدود بين مصر وإسرائيل.. باختصار علي أرض طابا.. كان يهودياً مصرياً اسمه "باشادو".. هاجر من الإسكندرية إلي إسرائيل في عام 1959.. اعترف لي باشادو أنه بني علي هذا الجزء من الأرض. وهو يعرف أنها أرض مصرية.. واعترف لي أنه ذهب إلي بيجين.. رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل البناء ليقترح عليه أن يتحرك بالفندق إلي الوراء. ليبقي بعيداً عن هذه المساحة.. ولكن بيجين طمأنه ــ هكذا قال ــ وقال له: سارع بالبناء.. وسوف نحصل علي هذه الأرض.. ودارت بيني وبين باشادو مناقشة أنهيتها بأن هذه الأرض أرضنا. وسوف نستعيدها بما عليها.. أما هو فقد أنهي الحديث بأنه إن حدث ذلك. فسوف يَطُـقُّ الفندق.. أي ينسفه.. وكانت هذه المساحة من الأرض هي طابا.. التي يعرف الإسرائيليون أنها ليست أرضهم.. ومع ذلك افتعلوا المشكلة لعل مصر ترضخ وتتنازل وتقبل الانسحاب بدونها.. حتي لا تعطل الانسحاب.. ولكن مصر استطاعت أن تسرع الانسحاب.. وأن تؤجل المشكلة.. لتحل فيما بعد علي النحو الذي نعرفه.. بعد المماطلات الإسرائيلية. حتي قبلت التحكيم.. وكانت تريد اللجوء إلي التوفيق أولاً.. وهو ما رفضته مصر.. وقد مضت مصر في اعداد مشارطة التحكيم واختيار المحكمين وإعداد الفريق المصري في التحكيم.. والبحث عن الوثائق والشهود الذين ستستعين بهم لإثبات موضع العلامة رقم 92.. أشهر العلامات التي حركتها إسرائيل لتضم طابا إلي إيلات.. وخاضت مصر هذه المعركة الدبلوماسية بكل قوة. حتي صدر حكم التحكيم لصالحنا في 27 سبتمبر 1988.. ولم تنسحب إسرائيل من طابا إلا في 15 مارس 1989.
وكما كنت أول من نشر عن مشكلة طابا.. التي لم تكن قد طفت علي السطح في ذلك الوقت منذ أكثر من 36 عاماً.. في ديسمبر 1982.. حرصت أيضاً علي أن أشهد إنزال العلم الإسرائيلي من طابا.. وارتفاع العلم المصري في 15 مارس 1989.. مع بكاء وصراخ المجندات الإسرائيليات وهُنَّ يخرجن من طابا.. أما باشادو.. فإنه لم يطق الفندق. بعد أن عادت الأرض إلي مصر. كما قال لي.. وإنما خاضت مصر معه مفاوضات شاقة حول ثمن الفندق.. ولم ينته التفاوض إلا قبل الانسحاب بساعات قليلة.. وقاد التفاوض في ذلك الوقت فؤاد سلطان. وزير السياحة. الذي حاول بقدر ما استطاع خفض الثمن المبالغ فيه. والذي طلبه باشادو.. وقد جري بعد ذلك الاحتفال الرسمي بالجلاء عن طابا في 19 مارس 1989.. بعد أن تمت تهيئة مكان الاحتفال وتجهيزه بمشاركة مدعوين ممثلين لكل فئات الشعب.