شعرت بدهشة كبيرة حينما شاهدت الرئيس السوري بشار الأسد. وهو يبتسم ابتسامة عريضة بملء فيه أثناء حديثه باللغة الإنجليزية مع أحد المراسلين الأجانب.. هذا المشهد أذاعته قناة "الميادين" اللبنانية. التي تعبر عن رؤية ما يسمي بـ"محور المقاومة" ويضم سوريا وإيران والعراق وحزب اللَّه. بدعم من روسيا.. كان الأسد يتحدث عن المعارضة المناوئة في سوريا.
إني أحسد الرئيس السوري علي رباطة جأشه. وأحيي شجاعته.. ففي بعض اللحظات كانت المعارك تدور بالقرب من قصره في دمشق. وكان يمكن قصف العاصمة من الغوطة قبل تحريرها. وتحمل الأسد ولم يهرب.
إن الوضع في هذا البلد العربي الشقيق يمثل نكبة أشد وأكبر من نكبة فلسطين. فالحرب الدائرة هناك منذ 2011 أودت بحياة أكثر من 500 ألف سوري. وشرَّدَت نصف الشعب السوري. تفرق السوريون وتشتتوا بين نازحين في الداخل ولاجئين في الدول المجاورة وأقطار أوروبية أخري. ويوجد في مصر الآن نحو 900 ألف سوري لاذوا بهذا البلد الآمن فراراً من الجحيم.
السبب الآخر لدهشتي أن سوريا أصبحت علي أبواب التقسيم. فالرئيس السوري وحلفاؤه من الروس والإيرانيين لا يسيطرون إلا علي نصف سوريا. بينما تحتل القوات الأمريكية وحلفاؤها من الأكراد الشمال الشرقي. وتحتل القوات التركية منطقة عفرين. ويجري الإعداد لإعلان منطقة حكم ذاتي في دير الزور جنوبي سوريا. بينما الجولان مازالت تحت الاحتلال الإسرائيلي. وآخر تصريحات المسئولين الروس وردت علي لسان نائب وزير الخارجية ومفادها أن موسكو لا تستطيع ضمان بقاء سوريا موحدة.. وسواء تم تقسيم سوريا أو أصبحت دولة فيدرالية. فإن المدن السورية دُمِّـرَت. وأصبحت أطلالاً وأثراً بعد عين.. وورد علي لسان الأسد نفسه أن عملية إعادة إعمار سوريا تحتاج إلي 400 مليار دولار.
والدرس الذي ينبغي أن نتعلمه من انهيار الدولة السورية هو أن عوامل سقوط الدول وتفككها واحدة. لا تتغير عبر التاريخ. وأبرز هذه العوامل: 1ــ التعصب. سواء كان قبلياً أو طائفياً. أو دينياً. أو مذهبياً.. 2ــ التدخل الأجنبي. وهو في الغالب يحدث نتيجة تفكك الدولة وانقسامها علي نفسها. بسبب التعصب أياً كان لونه ونوعه.. 3ــ انهيار العدالة من الداخل.
ومن الغريب أن هذه العوامل التي أدت إلي تفكك الدولة السورية. هي نفس العوامل التي أدت إلي انهيار الدولة الأموية التي اتخذت دمشق عاصمة للخلافة عام 90هـ.
والعصبية مصطلح شاع بين المسلمين منذ فجر الإسلام. وهي مشتقة من عصب.. والعصب من العُصْبَّة. ومفادها أن يقوم الرجل إلي نُصْرَة عصبيته. والتحالف معهم سواء كانوا مظلومين أو ظالمين. والعصبية في الجماعة شعور فئوي بوحدتها المتميزة. وقد نهي الرسول عن العصبية باعتبارها مناقضة لجوهر الإسلام