محمد ابو الفضل
جهة واحدة وراء ثلاث أكاذيب عربية
التدفق الكبير فى المعلومات وعدم وجود وسائل للتأكد من مدى صحتها، جعل جهات كثيرة تستثمر الفضاء الواسع لبث الأكاذيب، لأغراض سياسية. هناك دول ومؤسسات وجماعات ترعى هذه المسألة. أشخاص معنيون بترديدها سريعا، عن قصد أو بدونه. يتم تداولها باعتبارها حقائق.
المشكلة أن الدوائر المستهدفة تطرب أحيانا لبعض الأكاذيب. تتركها تمضى لحال سبيلها. تترفع أحيانا عن الرد أو ترغب فى التعرف على المسار الذى يريده من يقفون خلفها. هناك دوائر قليلة تبدو معنية بدحض الفرية مباشرة، كى يتم وأدها مبكرا، خوفا من ترسيخها.
لم أقصد الشائعات الناجمة عن جلسات النميمة والتى يجرى الترويج لها، عن جهل تام أو فقر فى المعرفة أو حتى تحريف لوقائع اجتماعية. فهذا النوع يتصرف على سجيته غالبا. يصيب ويخطئ، وتتوقف معلوماته عند حد معين، بعيدا عن التوظيف السياسى المنظم.
النوع الخطير، يجعل من الأكاذيب والشائعات هدفا. يعرف ما يروج له ولمن ومتى وكيف ولماذا؟ وينتقى بضاعته، لأنه يملك أجندة يعمل بها، مستفيدا من التطور التكنولوجى الهائل، والشبكة العنكبوتية التى تربطك بعوالم قد يصعب تخيلها.
النوع الأشد خطورة، ينطوى على أبعاد سياسية. صاحبه يتخذ من الكذب حرفة وأسلوب حياة. كلما سمع إنجازا لمن يعتبرهم خصومه يحوله إلى جريمة. يتلذذ بأى خطأ ويعمل على تضخيمه. ينتظر هفوة ويجعل منها كبوة. لا يكتفى بمعرفتها، لكن يحرص على ترويجها على أوسع نطاق.
يزداد انتشاره وقت المحن والأزمات والهزائم؛ لأنه يبدو كتنفيس أو تعويض عن خسائر لحقت بأصحابه. حرب الشائعات عملية معروفة وصناعة لها متخصصون وخبراء. تتم وفقا لآليات علمية. تؤثر فى الأمم الضعيفة. نتائجها تتجلى وسط الشعوب التى تفتقر للحريات.
أما حرب الأكاذيب الجديدة فقد ظهرت معالمها الواسعة فى المنطقة العربية فى السنوات الأخيرة. وضعت بذورها قطر وجماعة الإخوان. انطلقت من نفخ النار فى بعض الأحداث؛ لاشعال الفتن السياسية. تطورت إلى اختلاقها وترويجها.
التطور له علاقة بالأهداف الخفية التقليدية، وعلى صلة بما يواجهه هذا التحالف من خسارة منكرة فى معظم المعارك التى خاضعها، وأوشكت أن تدخله هزيمة نهائية. لذلك يستهدف تحالف الدوحة والجماعة الجهات التى لقنت قادته دروسا قاسية.
هناك عديد من المواقف الكاشفة لأكاذيب قطر والإخوان مع مصر، بدءا من التشكيك الدائم فى الأوضاع الأمنية والحالة السياسية، وحتى التحريض على تصاعد الأزمات الاقتصادية، وتزوير المشاهد الاجتماعية التى لا تحتمل اللبس مع ذلك جرى الانتقام بفجاجة تنم عن ضعف فى القيم الأخلاقية.على المستوى العربي، يمكن رصد ثلاث أكاذيب، شاعت خلال الأيام الماضية. كل منها يحمل غرضا سياسيا معينا. داخل كل غرض تفاصيل تؤكد أن ثمة جهة واحدة تقف وراءه.
الكذبة الأولي: وفاة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي. انتشرت هذه الكذبة منذ أسبوعين، مع دخول الرجل مستشفى بيرسى فى فرنسا للعلاج من حساسية فى الصدر. وتم نسج سيناريو لحالته المرضية يشير إلى إصابته بسكتة دماغية، أفقدته الوعى تماما. ثم الترويج لوفاته. وكى يتم حبك الكذبة، تم نشر خطاب مزور بتعيين قائد عام جديد، هو الفريق عبدالرازق الناظورى رئيس أركان الجيش الليبي.
الهدف من وراء الكذبة، محاولة إحداث شرخ فى صفوف الجيش الليبي، الذى يشهد تقدما على كثير من الجبهات القتالية. وينوى إنهاء معركة درنة وتخليصها من الإرهابيين والمتطرفين.
التجهيز لإجراء انتخابات رئاسية فى البلاد، أحد الدوافع الرئيسية لإطلاق الشائعة. فحفتر أحد أهم فرسان الرهان فى ليبيا حاليا. وتغييبه وإثارة البلبلة فى صفوف الجيش يبعثر الأوراق التى تتجمع لديه، وقد يمنح الإخوان والإرهابيين طوق نجاة، وربما عودة قوية للمشهد السياسى الذى يضيق من حولهم.
الكذبة الثانية: استهداف القصر الملكى فى الرياض. كأن هناك من يتربص وينتظر حدوث مكروه فى السعودية؛ تم استغلال شرود طائرة لاسلكية ترفيهية صغيرة ذات تحكم عن بعد من نوع (درون) وتعاملت معها نقاط الفرز الأمنى باقتدار فى حى الخزامى بالرياض. من تابع الحديث وترويجه عقب هذه المحاولة، يتأكد أن هناك جهات كأنها تنتظر حدوث مكروه فى السعودية، لأن الموقف أخذ سياقا تآمريا خطيرا. وسلك مناحى غريبة، جميعها تصب فى خانة وجود اختراق خارجى لأمن السعودية. النتيجة تشفى غرور قطر والإخوان. وتشير إلى عدم جدوى الخطوات الإصلاحية المهمة التى دشنتها القيادة السعودية.
الخطة فشلت مبكرا؛ لأن الرياض تعاملت معها على الفور، ووضعت النقاط على الحروف، وأخمدت الشائعة. وبقى مدلولها السياسي، يؤكد أن البحث عن انتصارات وهمية أحد أهم الأهداف التى تتغذى عليها الدوحة والإخوان للصمود أمام الاحتجاجات الصامتة لأنصارهما.
الكذبة الثالثة: تحرير الغوطة واحتلال الجولان. تبذل كتائب الإخوان والمتطرفين جهودا كبيرة للتقليل من تحرير الجيش السورى للغوطة. وتعيده لطبيعة التعاون مع روسيا تارة، ودور إيران تارة أخري. والأهم أن أنصار هؤلاء عزفوا على نغمة عدم قدرة دمشق على تحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي. القفز على المعطيات الراهنة والمغالطات المنهجية، من سمات قطر والإخوان والمتشددين. تعويض النكسات بأى وسيلة طريقة أصيلة لديهم. التقليل من خيبة الأمل التى خلفتها الضربة الأميركية البريطانية الفرنسية لمواقع فى سوريا الأسبوع الماضي، جعل هؤلاء ينحرفون عن الأزمة الحالية والهروب إلى الماضي.
احتلال الجولان قضية مركزية فى الوجدان العربى وليس السورى فقط. تفجيرها فى هذا التوقيت الذى تقاتل فيه جيوش دول كثيرة وجماعات متباينة على أرض سوريا، يرمى إلى إصرار على عدم الاعتراف بالهزيمة التى تلقاها التيار الإسلامي، بألوانه وأطيافه المختلفة. يريد بث روح جديدة فى صفوف أتباعه. منح أمل لمن يقفون خلفهم.
التصور خاطئ من الأساس، لأن حض دمشق على خوض حرب ضد إسرائيل، ليس هذا زمانها، لن يكون مجديا. محاولة للمكايدة، والابتعاد عن جوهر الأزمة. رغبة فى الإيحاء بأن النظام السوري، إذا خرج من أزمته الراهنة، وسوف يواجه بأزمات أشد ضراوة.