الجمهورية
جلاء جاب اللة
حكايات صلاح لا تنتهي!
إنه محمد صلاح نجم نجوم مصر.. حكاياته لا تنتهي لأنه ببساطة شديدة حكاية مصرية صادقة.
محمد صلاح شاب صدق مع الله ومع نفسه فأعطاه الله وأصلح له نفسه.. إنسان عرف حقيقة الإيمان بأنها الأخلاق.. فرسولنا الكريم قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. فرزقه الله التقوي فكان حاله هو حال العمل الصادق القوي مع الإيمان بقدر الله.. فحقق الله له النجاح.. ومازالت حكاياته في الطريق.
كتبت عن صلاح أكثر من مرة.. وفي كل مرة أجد حكاية جديدة تستحق أن تروي حتي يعرفها الشباب والبراعم ليس في مجال الكرة أو الرياضة فقط.. بل في كل مجال من مجالات الحياة.. فهذا الشاب حكاية مصرية لابد أن يعرفها شباب مصر وأطفال مصر لتكون لهم درساً وقدوة.. ولعل الله يفيد به أجيالاً جديدة تكون فخراً لمصر وللعرب والمسلمين.
في نفس الوقت فإنني أخشي علي صلاح من ثلاثة أشياء.. وخوفي علي صلاح هو خوف المحب علي ابنه وبلده.. ورمز من رموز العطاء أول ما أخشي عليه هو أن نضع محمد صلاح في إطار غير الاطار الذي هو فيه.. فتجعل منه زعيماً أو منقذاً أو "بابا نويل نجريج".. ونجريج هي القرية التي ولد بها صلاح ومازال بها أهله وأسرته ومازالت هي محطته الأولي في كل زيارة لمصر.
الناس تبحث دائماً عن منقذ.. لذلك نجد أن هناك عشرات من الناس يزورون نجريج يومياً أملاً في مقابلة أحد من أسرته لعلهم يجدون منهم العون والاتصال بالنجم العالمي لمساعدتهم سواء في دين يتمنون سداده أو مريض يريدون علاجه أو حاجة يعتقدون أن صلاح هو الذي سيساعدهم في قضائها!!
محمد صلاح لاعب كرة.. وإنسان رائع.. لكنه ليس الحل لأزمات الكثيرين.. صحيح أنه عرف حالة طفل مريض في طنطا.. وذهب إليه وزاره وساعد في علاجه.. بل إنه اشتري جهازاً لعلاج أمثاله.. وتلك هي أقصي طاقة يستطيعها أما أن يعالج كل مريض يتصل بأسرته فهذا محال!!
صلاح لا يملك العصا السحرية لعلاج كل الأزمات ولا يملك خزينة البنك المركزي لمساعدة كل الحالات التي تبحث عن حل عنده.. وفي نفس الوقت من الظلم أن نحمله فوق طاقته وأن نطالبه بما هو ليس بقدرته.. ولا أن نبحث معه وعنه في كل أزمة!!
أخشي علي محمد صلاح من "نظرية الاطار" التي يعشقها المصريون.. فهم يضعون رموزهم في اطار ويرفضون أن يخرج من يحبون عن هذا الاطار متناسين أنه إنسان له ما له وعليه ما عليه "نظرية الاطار".. جعلت من صلاح النجم الذي لا يقهر ولا يهزم وأنه الأفضل إنسانياً وكروياً وتهديفياً.. وكل ما يفعله صحيح.. وكل ما يقال عنه مادام داخل الاطار فهو صحيح.. وإذا خرج عن هذا الاطار فهو باطل حتي لو كان الواقع يؤيده ويدعمه.
لا أخشي علي محمد صلاح من نفسه فهو بإيمانه وصدقه مع نفسه وأخلاقه قادر علي المواجهة حتي ولو لعدة سنوات لكني أخشي عليه ممن حوله ومن يستفيدون منه.. "أزمة الإعلانات مع اتحاد الكرة نموذجاً" فهذه الأزمة مثلاً حاول البعض أن يجرها نحو أمور شخصية وفي الحقيقة فإن محمد صلاح ليس له علاقة بالأزمة إنها أزمة عقود والتزامات قانونية ونظام احتراف وليست أزمة شخصية تمس شخصه أو علاقاته بأحد.
الأمر الثالث الذي أخشي عليه منه هو أن نشغله نحن محبوه عن مهمته الأساسية.. لأن من يعرف صلاح عن قرب يعرف أنه لا يجيد فن الاهتمام بأمرين في وقت واحد.. وهو يجيد الاهتمام بالكرة واللعب فقط.. دعوه يلعب.. دعوه يمارس هوايته.. دعوه يتقن.. دعوه يتألق في الملعب وخارجه ولا تشغلوه بقضايا جانبية هامشية يمكن أن تبعده عن التركيز في الأهم.
لقد لعب صلاح سنوات في مصر ولم يكن هو النجم الذي يشار إليه بالبنان.. واحترف في بازل ولعب وأجاد.. ولم يكن النجم الأول.. ولعب في تشيلسي ولم يجد فرصة بل انه لعب ثلاث مباريات فقط في موسمه الثاني مع النادي الإنجليزي ثم تألق نسبياً في فيورنثنينا ولم يجد نفسه تماماً وفي روما أصبح نجماً وانطلق نحو النجومية التي وجدها بحق في ليفربول وأصبح أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي. هي قصة إنسانية تراجيدية برغم أنه ــ أي صلاح ــ يتميز بالكوميديا وخفة الدم ــ فدعوه يكمل الانجاز ويتألق ليكون أحسن لاعب في العالم إن شاء الله.
حكايات صلاح لا تنتهي فهو نجم بحق.. والنجوم لهم في كل خطوة حكاية.. والمهم أن نستفيد من هذه الحكايات وتتعلم الأجيال المقبلة من دروس هذه الحكايات لنجد في مصر قريباً ألف صلاح في ملاعب الرياضة وألف صلاح في معامل العلوم.. وألف صلاح في كل مجال من مجالات الحياة.. لأنه درس يجب ألا ينساه المصريون.
أيها الموت: مهلاً!!
أعلم أن الموت حق.. وأن الله سبحانه وتعالي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً.. وأعلم أن لكل أجل كتاباً.. وأن كل من عليها فان.. وأنه عندما يحين الأجل فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون.. لكن مصيبة الموت صعبة.. وألم الفراق جلل.. يعتصر الفؤاد.. ويذيب القلب ألماً.
الموت هو الحقيقة المؤكدة في تلك الحياة.. لكنه اسوأ احساس لأهل وأحبة من يتوفاه الله.. الميت يدخل في رحمة الله وهو مولاه.. والله رحيم بعباده.. كريم غفور.. عظيم.. والله كتب علي نفسه الرحمة والمغفرة لمن آمن.. أما أهل وأحبة من مات.. فلولا رحمة من الله لماتوا أيضاً!!
فقدت أخي.. فجأة جاءني الناعي: مات لم أنطق.. لم أذرف دمعة.. لم أشعر بشيء سوي أن الموت يرفرف فوقنا.. شعرت وكأن أنفاسي برغم تسارعها قد توقفت.. وأن قلبي برغم سرعة نبضاته يكاد يقف.. لا أعرف ماذا يدور حولي.. وفي نفس الوقت أشعر بالدوار.. ماذا حدث.. وكيف؟
كنت أوصي أبنائي بأنني عندما أموت يتصلون بشقيقي الوحيد ليستعد لاستقبال جثماني وأن يقوم هو بكل شيء.. لم أتصور العكس.
لم أتخيل أبداً أن أكون أنا من يتلقي خبر موته.. وأن أقوم بدفنه وأتلقي فيه العزاء!!
مات أبي.. ماتت أمي.. مات عدد من أصدقائي المقربين ولكل منهم ألم خاص.. وعذاب مميز.. لكن أخي وصديقي عندما مات.. شعرت بموت هؤلاء جميعاً يأتي في وقت واحد وشعور واحد.. شعرت أن الموت هو أفضل نهاية لنا جميعاً.. فلم يعد لنا إلا أن نستعد للوداع.
أيها الموت: مهلاً.. فلم نستعد بعد.. أيها الموت: رفقاً.. دعنا نستعد ولو قليلاً فشهر رمضان قادم... فلعلنا نجهز أنفسنا لهذا اللقاء!!
قد يقول قائل: ما لنا ونحن وآلامك واحساسك بالموت.. دعنا في حالنا.. واترك نفسك لأحزانك وآلامك فكل منا لديه ما يكفيه.. وهذا حق ولكن هي رسالة ابعثها لكل من أحب.. ولكل إنسان علي هذه الأرض: استعدوا.. فالموت يحلق فوق رءوسنا ولا ندري ولا نشعر به.
جهزوا متاعكم فالسفر طويل.. لكن لحظة السفر لا يعلمها أحد إلا الله وحده.. استعدوا للحظة الموت فقد عشتها مع أخي وأنا بجواره انظر إليه وهو يبتسم مستسلم لقضاء الله وأنا معه في القبر أوارية التراب.. وأنا أتلقي فيه العزاء.. فيأيها الموت.. مهلاً.. رفقاً تمهل قليلاً.. لعلنا نستعد للرحيل.. ولعلنا نتعلم الدرس.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف