المصريون
جمال سلطان
اعتراف السيسي بالكارثة وضمانات الإصلاح
ما زالت أصداء ما حدث في مصر أمس من كوارث إنسانية بسبب زخات مطر لم تستمر سوى ساعة أو ساعتين تتردد في أكثر من صعيد ، سواء على صعيد غضب الناس وسخطهم الشديد من تردي البنية الأساسية في البلد ، حتى في الأحياء الجديدة والثرية والتي يفترض أنها تأسست على قواعد علمية تتلافى ما سبق ، أو على صعيد السخرية المرة واسعة النطاق التي انتشرت خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي ، أو على مستوى رد فعل الجهات الرسمية ، والذي تراوح بين الاعتراف بالخطأ والوعد بإصلاحه وعدم تكراره ، أو الدفاع الساذج والطفولي المعتاد بأن هذا يحدث في الدنيا كلها ، أي أنه لا مشكلة أن يحدث اليوم وغدا وبعد غد والعام المقبل ، فهي أمور عادية ، وهو كلام ساذج وسخيف وجاهل ، ومضلل أيضا ، لأنه يربط ما حدث بالعواصف والكوارث الكبرى على نحو ما يحدث في اليابان وأمريكا فتجتاح الأعاصير الشواطئ ومناطق واسعة وبين ما حدث في مصر أمس ، ولا يمكن أن يحدث هذا الانهيار المذهل لمجرد أن السماء أمطرت ساعة أو ساعتين ، وعار أن يقارن أحدهم الوضع بباريس ولندن وواشنطن ، عيب ، وقد رأيت بنفسي مدنا عادية ـ وليست عواصم ـ في أوربا وأمريكا تمطر السماء فيها 24 ساعة متواصلة بغزارة ، وحياة الناس تمضي بشكل عادي ولا يوجد أي أزمات سوى تهدئة حركة المرور مثلا ، بل هذا يحدث مع الأسف حتى في بلدان أقل في إمكانياتها وخبراتها منا ، كما هو في السودان وأوغندا وأثيوبيا ، فعيب أن نهرب من أخطائنا بالحديث المضلل بأن العالم كله كده ! .
التصريح الوحيد الذي حمل نوعا من المسئولية والاعتراف الضمني بالخطأ ومسئولية الدولة ، كان التصريح الذي نشره الرئيس عبد الفتاح السيسي على حسابه في صفحات التواصل الاجتماعي ، والذي جاء فيه ما نصه : (أتفهم تماماً حالة المعاناه التى ألمت ببعض المصريين نتيجة الآثار الناجمة عن تساقط الأمطار بشكل مفاجئ وغير معتاد عليه خلال اليومين الماضيين ، وأؤكد أن الدولة بكافة أجهزتها ستكثف من جهودها لتلافى حدوث مثل هذه الأثار مرة أخرى) ، والجيد فيه أنه لم يبحث عن شماعة "كلهم كده" التي استخدمها بعض المسئولين واللجان الالكترونية المستأجرة على صفحات التواصل الاجتماعي دفاعا عن الحكومة عمال على بطال ، وإنما تحدث بمسئولية عن أنه مدرك لحجم المعاناة والآثار الفادحة ، ويعد بأن هذه الأخطاء لن تتكرر مرة ثانية .
ومع ذلك ، أتشكك كثيرا في قدرة أجهزة الدولة على الوفاء بوعد السيسي بأن ما حدث لن يتكرر ، لأن هذا الأمر تكرر مرارا وتكرارا ، وفي عهده أيضا ، خلال السنوات الماضية ، وكل مرة نسمع من المسئولين أنهم وضعوا أيديهم على الخلل وهناك خطة قومية للإصلاح وتم رصد عدة عشرات من الملايين للتنفيذ ، وأن هذا الذي حدث لن يتكرر ، ثم يتكرر ، لأن الأمر ـ ببساطة ـ لا يتعلق بنوايا صاحب القرار الطيبة ، أو رغبته في الإصلاح ، وإنما بوجود منظومة كاملة يمكنها أن تنجز ذلك وتتابع الإنجاز ويقوم عليها أكفاء قادرون ، ومؤسسات رقابية جادة ومستقلة تراجع وتحاسب ، وبرلمان قوي ومستقل يهابه أي مسئول ويعمل له ألف حساب ، وهذا كله غير موجود مع الأسف أو وجوده ضعيف ، صدقني يا سيادة الرئيس ، الدولة كلها في حاجة لإعادة هيكلة ، بجميع أدواتها وأجهزتها ومؤسساتها ، ولكن المشكلة أن "القرارات الشجاعة" والتاريخية يتهرب منها الجميع ، فيضطرون للعمل يوم بيومه ، على أمل أن يسترها الله معنا والأمور تعدي ، وبعد ذلك يحلها ألف حلال ! .
قبل أسبوع واحد من تلك الفاجعة كان الرئيس في جولة في طريق القاهرة العين السخنة ، ونقلت الصحف وأجهزة الإعلام اعتزازه وفخره الشديد بما تم إنجازه على أعلى المستويات مصحوبة بصور الطريق والأسفلت والبنايات الجميلة المزركشة ، وأبدى سعادته وفخره بما تم إنجازه ، وبعد أيام تحول الطريق إلى مدقات جبلية وغمرته المياه وطمي الصحراء وتقرر غلقه لأنه ليس صالحا لحركة السير ، بعد أيام فقط وليس بعد سنوات ، ماذا يعني ذلك ؟ ، ومن يحاسب من على ذلك ، من يسأل الجهة المنفذة عن غياب أي قواعد علمية في تخطيط تصريف مياه الأمطار الغزيرة في منطقة تشهد ذلك باستمرار ، هل الطريق هو مجرد وضع "أسفلت" والتقاط الصور بجانبه ، وهل يمكن لنا أن نتوقع ظهور مثل هذه المفاجآت غير السارة في "إنجازات" أخرى كثيرة تم اختصار وقت إنجازها مؤخرا لزوم الاستعراض الإعلامي ، مثل كباري وأنفاق وطرق .
الإصلاح رؤية ومنظومة شاملة ، ومع الأسف لسنا في الطريق الموصل لها .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف