الأخبار
د.محمد مختار جمعه
دروس من تحويل القبلة
قضية ورأي

لعل أهم درس نتعلمه من تحويل القبلة هو أن التحول الحقيقي ليس في الزمان أو المكان ، إنما هو في فهم معني التحول ، وهو سرعة الاستجابة لأمر الله تعالي ، ومفهوم أن العبرة ليس في التولي قبل المشرق أو المغرب ، إنما هي في صدق التوجه حيث أراد الله (عز وجل) ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي : » لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَي الْمَالَ عَلَي حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَي الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ»‬.
أما الدرس الثاني فهو بيان مكانة حبيبنا محمد (صلي الله عليه وسلم) ، حيث يغمره رب العزة (عز وجل) بفيض كرمه ، فيقول : »‬ قَدْ نَرَي تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا» ، فضلاً منه ومِنَّةً وكرمًا ، وبيانًا لعظيم منزلته عند ربه (عز وجل)، وامتدادًا لفضل ربه عليه ، فهو الذي شرح له صدره ، فقال : »‬ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ» ، ووضع عنه وزره ، فقال : »‬وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ» ، وغفر له ذنبه ، فقال : »‬ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» ، وزكي لسانه ، فقال : »‬ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي» ، وزكي فؤاده ، فقال : »‬ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي» ، وزكي عقله ، فقال : »‬مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي »‬ ، وزكي بصره ، فقال : »‬ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي» ، وزكي مُعلمه ، فقال : »‬عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي»، وزكي خلقه ، فقال : »‬ وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ» ، وزكاه كله ، فقال : »‬لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ».
وجعل طاعته من طاعة الله ، فقال سبحانه : »‬ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»، وجعل محبته (صلي الله عليه وسلم) من محبته (عز وجل) ، فقال علي لسانه (صلي الله عليه وسلم): »‬ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ، وحذر من مخالفة أمره ، فقال : »‬فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» ، ونهي عن مناداته باسمه مجردًا ، فقال سبحانه : »‬لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»، ونهي عن رفع الصوت في حضرته (صلي الله عليه وسلم) ، فقال سبحانه : »‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ »‬.
ومن أهم هذه الدروس بيان عِظَم مكانةِ الصلاة وأثرها في حياتنا ، حتي أن القرآن الكريم قد ربطها بحادثتين تعدان من أبرز الأحداث في تاريخ الإسلام ، هما : معجزة الإسراء والمعراج وتحويل القبلة ، فقد فرضت جميع الفرائض في الأرض ، وفرضت الصلاة من فوق سبع سماوات ليلة الإسراء والمعراج بيانًا لعظيم شأنها ، كما ربطها بحدث تحويل القبلة ، وعبر عنها القرآن الكريم بالإيمان عندما سأل بعض الصحابة رسول الله (صلي الله عليه وسلم) : عن صلاة الذين ماتوا ولم يدركوا تحويل القبلة إلي المسجد الحرام، فنزل قوله تعالي : »‬وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» ، فمن حافظ عليها وأداها كاملة بأركانها وسننها وهيئاتها كانت له نورًا ونجاة وبرهانا يوم القيامة ، ومن ضيعها لم تكن له نورًا ولا نجاة ولا برهانا يوم القيامة ، وهي من أهم الكفارات للذنوب ، يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »‬ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَي الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَي رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» ، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : »‬ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَي مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ؟ قَالُوا : لَا يَبْقَي مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ : فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا» ، ويكفي أن نشير إلي أنها أهم أعمال المتقين وأهم أعمال المحسنين ، يقول الحق سبحانه : »‬ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» ، ويقول سبحانه : »‬تَتَجَافَي جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» ، ويقول سبحانه : »‬إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ».

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف