الأخبار
هالة العيسوى
ياعزيزي.. كلنا فاسدون
من وراء النافذة
بداخل كل مِنّا فاسد صغير فلسنا أنبياء. لكن هل نحن شعب جُبِل علي الفساد، أم أن سلوكياتنا هي التي تغيرت، وهوت قيمنا الأخلاقية إلي أسفل سافلين؟ كلما تقع كارثة كانهيار كوبري أو حادث قطار، أو غرق مدينة جديدة مبنية بالكامل منذ أقل من عشر سنوات كما حدث ليلة أول أمس نلقي باللوم علي الفساد والفاسدين. ولا نسأل أنفسنا السؤال السابق. إن كانت الإجابة عليه بنعم.. نحن شعب فاسد بطبعه، فلا تستغربن مما يقع، لأنه من غير الطبيعي ان تؤدي البدايات الواحدة إلي نهايات مختلفة، وإذا كان الفساد أصيلاً فإن الطبع يغلب التطبع مهما حاولنا التجمل أو الاقتداء بالناجحين، وسيكون الفشل حليفنا.
أما إن كانت الإجابة بلا.. وأن قيمنا الأخلاقية هي التي تراجعت بدليل توحش الفساد في السنوات الأربعين الأخيرة فقط فلابد إذن أن نسأل عن سبب هذا التراجع والتفسخ.
في ظني وليس كل الظن إثم، بل إن سوء الظن من حسن الفطن، أن أحد الأسباب الرئيسية لانتشار الفساد ليس فقط غياب المحاسبة، ولكن أيضا ازدواجية المعايير. إذا سرق فينا الشريف تركناه،وإذا سرق فينا الضعيف أقمنا عليه الحد. والشريف هنا وفق قول الرسول الكريم بمعني علية القوم أصحاب العزوة والنفوذ. من أسباب الفساد أيضاً غياب القدوة والحس الاجتماعي. فحين تقترح الحكومة قانونا يطحن الشعب ويصيب جيوبه في مقتل دون مراعاة لأي أبعاد اجتماعية، ثم يوافق نواب البرلمان علي ضغوط الحكومة فإنهم يخذلون الناخبين الذين رفعوهم إلي تلك المقاعد المحصنة. ولو كان لدي النواب بعض من ولاء لأبناء دوائرهم لنظروا إلي المصلحة العامة وليس لمصالحهم الضيقة ولما طبقوا المثل الشعبي القائل: : »لو بيت ابوك بيخرب خد لك طوبة واجري»‬
حين كتبت الأسبوع الماضي عن أزمة أصحاب المعاشات مع الحكومة وتهربها من الوفاء بالتزاماتها نحوهم، لم أكن أتخيل ان يصيب حكومتنا المصون مرض عمي القلب إلي هذا الحد. ففي الوقت الذي تتحايل لعدم أداء حقوق أصحاب المعاشات الذين لا يزيد الحد الأعلي لمقابل تقاعد الواحد فيهم عن ألف وخمسمائة جنيه شهريا تجدها تطالب بزيادة معاشات الوزراء إلي ثلاثين ألف جنيه! ثم يتماهي معهم نواب الشعب لأن جانبا من الحب سيصيبهم. وساعتها لا تسألن عن سبب غضب الناس.
لست- كغيري في هذا من المواطنين البسطاء- ضد رفع رواتب أو معاشات الوزراء من ناحية المبدأ ولكن من الضروري ان تراعي تلك الزيادة الأبعاد الاجتماعية. وحين يظهر قائل بأن الزيادة المقترحة مجرد تحصيل حاصل وتقنين لما هو قائم بالفعل وإنها لا تنتهك القانون لأنها تلتزم بتحديد نسبة المعاش ب80% من الراتب.. لابد من الرد علي هذا القائل بأن حضرتك تستغفلنا. لأن اصحاب المعاشات الغلابة الذين تسري عليهم نفس النسبة تحتسب علي الراتب الأصلي وليس علي إجماله.. بينما يضم قانون رواتب ومعاشات الوزراء الجديد كل مفردات الراتب بالبدلات والمكافآت إلي الراتب الأصلي وبالتالي فإن معاشات الوزراء سترتفع من خمسة آلاف جنيه إلي ثلاثين ألفا! ومطلوب من سعادتك أيها المبرراتي أن تذكر لنا مصدر هذه الزيادة التي قلت انها لن تكلف ميزانية الدولة شيئاً.. فمن أين ستأتي؟ لو كان ترزية القوانين في بلدنا يتحلون بالمهارة لعدلوا قانون المعاشات عموما لتسري النسبة علي إجمالي الدخل مثلما قاموا بتفصيل قانون معاشات الوزراء والنواب.
إن الموظف العادي حين يستشعر هول الفجوة التي سيواجهها بانهيار دخله عند تقاعده، وحرمانه من مميزات الوظيفة التي يشغلها والتي تعتبر من مكملات الحياة وبديلا عينيا عن النقود، لا بد ان تصيبه »‬فجعة» لتأمين شيخوخته مادام بعد 36 سنة خدمة بالحكومة سيكون أقصي معاش له ثلاثة آلاف جنيه.
هنا لا أبرر الفساد لكني أتفهم دوافعه، ولكي نقضي عليه فلابد ان يكون لدينا معيار واحد للأمور.. وإذا كانت ميزانية الدولة قادرة علي تمويل معاشات الوزراء الحاليين والقادمين والسابقين أيضاً وفق القانون الجديد فليس أقل من أن ترد أموال المعاشات لأصحابها بدلاً من الاستيلاء عليها وإخفائها.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف