الأهرام
د.محمد مختار جمعه
حقيـقة الخشيـة
الخشية خوف يشوبه تعظيم، وقيل: هى الخوف المقرون بإجلال، وهى أخص من الخوف، وهى من سمات الأنبياء والعلماء والصالحين، حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «أَمَا وَالله إِنِّى لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ »، ويقول نبينا: «فَوَ اللهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً »، ويقول الحق سبحانه: «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِالله حَسِيبًا».

وهى خوف العلماء المقرون بمعرفة الله وإجلاله وإدراك عظيم شأنه سبحانه وتعالي، حيث يقول الحق سبحانه: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ». وقال بعضهم: الخشية إنما تكون من عظم من يُخشى منه، فهى رديف المهابة، وهى من صفات أولى الألباب، حيث يقول الحق سبحانه: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ».

وهى أيضًا من صفات المتقين وسمات المؤمنين المخلصين، حيث يقول الحق سبحانه: «وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ »، ويقول سبحانه: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آَمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ»، ويقول سبحانه: «الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ».

ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِى سَبِيلِ الله»، ويقول نبينا: «لا يَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فى الضَّرْع، وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ فى سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ».

والخشية تعنى حسن المراقبة لله عز وجل فى السر والعلن، على نحو ما كان من ابنة بائعة اللبن- فعن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه أسلم قال: بينما أنا مع عمرَ بن الخطاب رضى الله عنه، وهو يتفقد الرعية بالمدينة إذ أَعيا، فاتَّكأ على جانبِ جدارٍ فى جوفِ الليلِ، فإذا امرأةٌ تقولُ لابنتها : ياابنتاه، قُومى إلى ذلك اللَّبنِ فامْذُقيهِ بالماء. فقالت لها: يا أمَّتاه، أو ما عَلمتِ بما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟! قالت: وما كانت من عزمته يا بُنيَّة؟ قالت: إنَّه أمر مناديه فنادي: ألا يُشَابَ اللَّبنُ بالماء. فقالت لها: يا بنتاه، قومى إلى اللَّبن فامْذُقيهِ بالماء، فإنك بموضعٍ لا يَراكِ عمرُ، ولا مُنادِى عمرَ. فقالت الصبيَّةُ لأمِّها: يا أمَّتاه، واللهِ ما كنتُ لأُطيعَهُ فى الملأ، وأَعصِيَهُ فى الخلا. وعمرُ يَسْمع كلَّ ذلك، فقال: يا أسلمُ ، علِّمِ البابَ، واعرفِ الموضعَ. ثم مضي، فلمَّا أصبح، أتاهم فزَوَّجها من ابنه عاصم، فوَلَدت لعاصم بنتًا، وَوَلَدت البنتُ عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله تعالي. وخرج ابن عمر رضى الله عنهما، ذات يوم فِى بَعْضِ نَوَاحِى الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُ لَهُ، وَوَضَعُوا سَفْرَةً لَهُ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعِى غَنَمٍ، قَالَ: فَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَلُمَّ يَا رَاعِي، هَلُمَّ، فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّى صَائِمٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَتَصُومُ فِى مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ شَدِيد الْحَرِّ وَأَنْتَ فِى هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذَه الْغَنَمَ؟ فَقَالَ لَهُ: أَيْ وَالله، أُبَادِرُ أَيَّامِى الْخَالِيَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُرِيدُ أن يَخْتَبِرُ وَرَعَهُ: فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ فَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا وَنُعْطِيكَ مِنْ لَحْمِهَا فَتُفْطِرَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِى بِغَنَمٍ، إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا عَسَى سَيِّدُكَ فَاعِلا إِذَا فَقْدَهَا، فَقُلْتَ: أَكْلَهَا الذِّئْبُ، فَوَلَّى الرَّاعِى عَنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ اللَّهُ ؟ قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يُرَدِّدُ قَوْلَ الرَّاعِي، وَهُوَ يَقُولُ: فَأَيْنَ اللَّهُ ؟، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ إِلَى مَوْلاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ وَالرَّاعِى فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ، وَوَهَبَ منهُ الْغَنَمَ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف