الأهرام
ابراهيم حجازى
«لا ابن مِينْ» ولا وسطته «مِينْ».. هو حلم وطموح ويقين!
>> فوز النجم الكروى الفذ محمد صلاح بجائزة أفضل لاعب فى الدورى الإنجليزى للموسم 2017/2018 إنجاز جديد رائع للنجم الكبير.. ومصدر هائل للفخر والاعتزاز للمصريين بكل تأكيد.. إلا أن هناك الأهم!.

علينا ألا نختزل الحدث.. فى مسابقة واحتفالية وفائز.. لأن الإنجاز أكبر من لقب سبق أن حصل عليه عشرات النجوم!.

الإنجاز الحقيقى ليس لقب أحسن لاعب.. إنما قدرتنا على فهم واستيعاب قصة نجاح مذهلة.. تختلف جذرياً عن نجاحات نجوم العالم الذين سبقوا «صلاح» فى الحصول على جائزة أحسن لاعب فى الدورى الإنجليزى..

شاب مصرى تمكن فى فترة زمنية قصيرة جدًا.. بالقياس لإنجازاته العظيمة جدًا.. أن يجعل من نفسه علامة مميزة فى عالم كرة القدم بالعالم!. علامة مميزة.. للحب والنجاح والإبهار والإلهام والإصرار والمثابرة!. علامة مميزة لليقين التام فى القدرة على تحقيق طموح وراء طموح!.

القيمة الحقيقية للإنجاز.. هى أن يقين محمد صلاح فى النجاح.. يقين لنا وإشارة لنا.. على أننا أمام استثناء للإعجاز أراده الله يحدث أمامنا.. فى أصعب فترة بتاريخنا.. لأجل أن نعرف!.

نعرف أنه لا سقف لقدراتنا ولا حدود لطموحاتنا ولا حجم لثقتنا.. وأننا بإذنك يارب نقدر.. وعلينا أن نقدر.. لأنه ليس أمامنا إلا أن نقدر.. على تحقيق كل ما توهمنا فى الماضى أنه مستحيل.. يستحيل تحقيقه!.

نقدر.. وكل منا فى مجاله بإمكانه أن يقدر مهما تكن الصعوبات.. والدليل والمثال والقدوة والإلهام.. محمد صلاح!.

< نقدر.. عندما نعرف أن أى نجاح يبدأ من الشخص نفسه بقدرته على التصالح مع نفسه.. وبها يملك الدنيا وما عليها بالحب والتسامح والرضا والقناعة والإخلاص.. وكلها سمات المتصالح مع نفسه!.

محمد صلاح بدأ مشواره الكروى.. مثل أى طفل فى قرى وكفور ونجوع مصر.. لا هو ابن «مِينْ» ولا يعرف فى الدنيا «مِينْ»!. بدأ بحلم أن يكون لاعب كرة فى فرع نادى المقاولون بالغربية.. الذى هو كيان كبير جدًا.. بالقياس إلى حلم بسيط لطفل صغير من قرية مثلها آلاف القرى!.

الذى علينا استخلاصه من هذه النقطة.. حتمية أن يملك الطفل.. قدرًا من الطموح!. علينا.. وأقصد هنا الأب والأم فى كل أسرة.. علينا تذكر أن السنوات الأولى فى حياة الطفل.. هى فترة إرساء قواعد بناء الإنسان!.

محمد صلاح الطفل.. يلعب الكرة مثل غالبية أطفال قريته نجريج.. إلا أن الله اختصه بأب اختلف عن بقية الآباء!. الأب لاحظ أن ابنه الصغير عنده ما يميزه فى الكرة عن بقية الأطفال!. الأب اهتم بالأمر وشجع حب ابنه للكرة.. على عكس أغلب الآباء والأمهات الذين يرون الكرة مفسدة للتعليم وإلهاء عن المذاكرة وفرصة لمعايرة الأبناء بالفشل.. والمقولة المأثورة فى تأنيب كل طفل يلعب.. «ابقى قابلنى إن فلحت»!.

محمد صلاح وجد من يرعى ميوله الكروية.. ويحمل عنه الجزء الأكبر من تحقيق الحلم.. وما كان الطفل الصغير وحده يقدر عليه.. لأنه يتطلب ركوب مواصلة أو اثنتين يوميًا.. ما بين قريته الصغيرة إلى طنطا التى فيها أول حلم وهو فرع شركة المقاولون العرب بالغربية.. ووقتها كان المهندس إبراهيم محلب رئيس المقاولون.. والكابتن على أبوجريشة مستشاره الكروى فيما يخص نادى المقاولون.. ولأن الكابتن على أبوجريشة له تجربة رائدة وناجحة بالإسماعيلى فى مراحل الناشئين.. كان اقتراحه على رئيس المقاولون العرب.. بضرورة الاستفادة كروياً من فروع الشركة فى المحافظات.. ومنها فرع طنطا.. ليتم إنشاء كيان كروى صغير ملحق به.. فتح أبوابه للناشئين فى محافظة الغربية.. وقَيَّدَ نفسه كناد فى منطقة الغربية.. ليتمكن من المشاركة فى المسابقات الكروية الرسمية للناشئين!.

وسبحان الله.. أراد الله أن يرى الأب شغف ابنه بالكرة.. ويقتنع الأب بموهبة ابنه الكروية.. ويعرف الأب الأسلوب الصحيح فى احتضان ورعاية وتنمية هذه الموهبة!. إرادة الله أن يتعرف الأب على موهبة ابنه ويتحمس لرعايتها على عكس فكر وتخطيط معظم الآباء.. وليس هذا فقط.. إنما وجد الأب مخرجاً للرعاية ليس بعيداً عن قريته.. هو فرع المقاولون.. الذى أقيم خصيصًا لأجل التقاط المواهب الصغيرة بالغربية تنفيذًا لفكرة على أبوجريشة.. ولولا افتتاح هذا الفرع.. لاختلفت الأمور جذريًا.. لأن البديل نادى طنطا.. وهو شأن أندية الكرة عمومًا.. قبول لاعب ناشئ.. أصعب من اختبارات القبول فى وكالة ناسا.

من فرع نادى المقاولون بطنطا.. بدأت رحلة محمد صلاح الكروية.. ومنها إلى نادى المقاولون بالقاهرة.. ورحلة يومية من القرية للقاهرة عبر أربع مواصلات فى ثلاث ساعات صباحًا ومثلها مساءً على مدى أربع سنوات.. وهنا الدرس الثانى الذى يقدمه النجم الكبير لنا!.

< يقول لنا محمد صلاح.. بالعمل لا الكلام.. لابد أن يكون لديك هدف واضح محدد أمام عينيك.. وطموح لا يتسلل إليه شك.. ويقين بقدرتك على إنجاز ما تريد!.

الهدف والطموح واليقين.. بددوا ونسفوا تعب وقسوة ومشكلات.. سفر يومى يستنفد وحده قرابة الست ساعات ما بين ذهاب وعودة.. وهذا جهد بدنى ونفسى إضافى على جهد التدريب اليومى وما فيه من أهواء وشخصنة وميول.. وفوق هذا وذاك مصاريف المواصلات اليومية على مدار أربع سنوات!.

الذى نستخلصه هنا.. أن النجاح الكبير المبهر مستحيل أن يسقط على صاحبه مصادفة.. إنما هو جهد وعرق وعمل!. القدرة على تحمل رحلة الست ساعات سفر يوميًا والإصرار على المضى فيه.. هذا الصبر وتلك المثابرة فى المرحلة المبكرة.. كانا فى الواقع القواعد الراسخة التى سيقوم عليها بنيان المجد الكروى!. بقدر صلابة وتماسك وتناسق هذه القواعد.. يتحدد ارتفاع البنيان!.

محمد صلاح.. نعمة الله عليه لم تكن الموهبة الكروية فقط.. لأنها وحدها لا تحقق ما وصل إليه صلاح!.

< محمد صلاح.. أنعم الله عليه بالأسرة الصالحة.. أب وأم.. نجحا فى تربيته وتنشئته.. على الرضا والقناعة والحب والتسامح واليقين والصبر والمثابرة.. وإلى جانب هذه المنح الربانية العظيمة.. منحه الله الموهبة وبنفس القدر.. القدرة على الحفاظ عليها والمقدرة الفائقة على تنميتها.. وهذا واضح فى التطور البدنى والفنى والنفسى المذهل للنجم الكبير!. واضح فى قدراته غير المحدودة فى التأقلم مع الأندية التى لعب بها!. واضح فى ثقافته التى اكتسبها فى التعامل مع الاحتراف والشهرة والمال!. واضح فى تأقلمه السريع الملفت مع الثقافات والعادات المختلفة للدول التى لعب لأنديتها من سويسرا لإيطاليا لبريطانيا!.

محمد صلاح.. واحد من عباد الله الذين أحبهم الله.. فحبب فيهم عباده.. على كل أرض وأى مكان.. وربما يكون ذلك.. ما ساعده على كسر حاجز الغُرْبَة والتغلب على صعوبات الغُرْبَة.. وهى واحدة من المشكلات التى قهرت معظم لاعبينا الذين احترفوا فى الخارج!.

سيدنا على.. له مقولة: من كان الله معه.. فمن عليه؟. مقولة تبدو وكأنها قيلت زمان.. للتعريف بصلاح الآن!.

شاب ملتزم دينياً.. مضموناً لا شكلا!. يعنى إيه؟!

يعنى التزام بالعمل والمعاملة.. لا الكلام والصراخ والمظاهر!. التزام صلاح الدينى.. واضح فى التدريب.. وواضح فى اتقانه لكل ما هو مطلوب منه.. واضح فى معاملاته.. واضح فى الحب والتسامح والتعاون فى تعامله!.

محمد صلاح لم يجعل التزامه الدينى.. ركيزة للتواكل.. إنما طاقة هائلة للعمل والعرق والجهد.. باعتبارهما السبيل الوحيد للنجاح!.

محمد صلاح فى مشواره.. كل خطوة تقدمها للأمام.. بفكرة وجهده وإيمانه بقدراته ويقينه التام فى النجاح!.لأجل الوصول لأول الطريق.. وفعليًا وصل.. ليقينه أنه سيصل.. ويقينه أنه سيقدر ويقينه أنه سينجح.. وهذا ما حققه ويحققه وسوف يحققه صلاح بإذن الله.. وليس فقط له.. إنما لكل مصرى ومصرية!. كل نجاح لصلاح.. هو مزيد من اليقين بأننا جميعًا نقدر.. مثلما فعلها صلاح.. ليس فقط بالأمس.. إنما على مدى ست سنوات..

< فى سنة 2012 محمد صلاح.. حصل على أفضل صاعد فى إفريقيا وأفضل لاعب فى الدورى السويسرى وهو يلعب لفريق بازل.. وفى 2015 أفضل لاعب فى نادى روما.. وفى 2016 حصل على جائزة جلوب سوكر كأفضل لاعب فى أوروبا وفى 2017 اختير ضمن التشكيلة المثالية لأمم إفريقيا وفى نفس السنة منحه الاتحاد الإفريقى جائزة أفضل لاعب إفريقى وفى 2018 حصل على لقب لاعب الشهر ثلاث مرات وجائزة الشهر لأفضل لاعب من رابطة المحترفين ثلاث مرات وأفضل لاعب فى تصفيات دورى أبطال أوروبا الحالى مرتين واختارته الفرانس فوتبول أفضل لاعب إفريقى أربع مرات.. ومن أيام تم تتويجه من لجنة الأندية المحترفة.. أفضل لاعب فى الدورى الإنجليزي!.

محمد صلاح فى شهوره القليلة مع ليفربول.. حطم أرقامًا قياسية لم يقترب أحد منها من سنوات.. ويكفيه أنه فى أول سنة له بالدورى.. هداف الدورى الإنجليزى برصيد 31 هدفًا للآن.. قابلة للزيادة وربما لتحقيق أكبر مفاجأة.. حققها لاعب حتى الآن فى تاريخ أكبر وأقدم وأصعب وأمتع دورى كروى بالعالم!.

< حقنا أن نفرح ونسعد ونحتفل ونحتفى بإنجازات محمد صلاح.. وحق الوطن علينا.. ألا نجعلها احتفالية وتنتهى وترحل!. حق الوطن.. توثيقها ودراستها وتحليلها.. لنتعرف على غير المعروف لنا فى السمات المميزة المتفردة للشخصية المصرية.. لأجل أن تكون الخطوة التى تسبق خطانا على أى طريق نسلكه.. واليقين الذى نمسك عليه فى أى عمل نقوم به!.

إصرار محمد صلاح على النجاح.. هو الذى توجه من أيام الأُلّْفَة على كل نجوم العالم المحترفين فى الدورى الإنجليزى!.

حكاية نجاح صلاح.. يمكن لأى شاب فى أى مجال أن يكررها.. لأنها حكاية شاب.. لا هو ابن «مين» حتى تفتح الأبواب أمامه ولا عنده واسطة من «مين» يسبق بها أقرانه!.

شاب «شَبَهْ» ملايين الشباب.. نجاحه هو نجاح أسرة بسيطة.. مثل آلاف الأسر فى ريف وحضر مصر.. فى بيتها حلم.. والفارق هنا أن الأسرة البسيطة الصغيرة المنزوعة الواسطة والمحسوبية.. أمسكت على حلمها وأيدته بطموحها وحققته بيقينها!.

الدرس المستفاد هنا وهو لكل شاب وفتاة.. الحلم والطموح واليقين.. من حكمة الله.. أنهم فى متناول كل إنسان.. وحق لكل البشر وفى متناول كل البشر وليسوا حكرًا على بشر دون بشر!.

النجاح مضمون بالحلم والطموح واليقين.. وأيضاً الفشل مؤكد فى غيابهم!.

والدرس الآخر.. وهو أيضًا لشبابنا.. إن كان الحلم والطموح واليقين.. ضمانة صناعة النجاح.. فإن استمرار النجاح مرهون بالحب والتسامح والرضا والقناعة والصدق والإتقان والصفاء وكل ما هو فى الخصال المصرية العريقة!.

أرجوك.. قبل أن تندهش.. تذكر محمد صلاح!. هل قرأت أو سمعت يومًا.. من سويسرا أو إيطاليا أو إنجلترا.. خبرًا فيه اتهام لصلاح بالكذب.. أو سلوك يحمل الكراهية أو موقف يدينه بالحقد والغل؟.

صلاح لعب لعدة أندية.. ودخوله وخروجه من كل ناد.. قائم على عقود وبنود.. هل سمعنا مشكلة صنعها صلاح؟. لم يحدث لأن.. الحب والرضا والقناعة والصدق وكل ما هو طيب.. ضمانة أكيدة لإيجاد حلول مُرضِية لكل مشكلة!.

ضمانة أكيدة لإنهاء أى خلاف قبل أن يبدأ!. ضمانة أكيدة لإحلال الضحكة مكان التكشيرة والكلمة الطيبة بديلاً للبذيئة والحب بدلاً من الكراهية!.

الحب الجارف والعشق الهائل لمحمد صلاح.. من عشاق الكرة الإنجليز.. أكبر دليل على أن شخصية اللاعب وسلوكيات اللاعب.. جزء أصيل لا يتجزأ من نجومية اللاعب.. والدليل!.

لو كانت الموهبة الفنية تصنع وحدها هذا النجاح وذاك الحب.. لأصبح نصف لاعبى الدورى الإنجليزى فى منزلة صلاح!

صلاح مختلف.. لأنه موهبة كروية فذة وبنفس القدر موهبة سلوكية فذة!

محمد صلاح ليس مجرد لاعب كرة.. إنما هو حدوتة مصرية جميلة صميمة.. يصعب ظهور مثيل لها.. إلا من أرض مصر!.

نعم.. هذه حقيقة ملموسة وواقع موجود نراه أمامنا.. وليس كلاماً نسمعه بأذننا!

إنها قدرة المصريين على صناعة التفرد والتميز والإعجاز!

فعلها قدماء المصريين.. وما تركوه من آثار.. إعجاز العالم فى حيرة من أمره للآن!

وفعلها ويفعله المصريين الآن.. والمشروعات العملاقة التى تم تنفيذها فى السنوات الأربع الأخيرة.. شاهد على عبقرية وعظمة المصريين.. شهد لها الخبراء الألمان فى محطات الكهرباء والأنفاق.. والخبراء الإيطاليون فى حقل ظهر والخبراء الصينيون فى أكبر مزرعة سمك بالشرق فى بركة غليون والاستشاريون الأوروبيون فى محور روض الفرج وأعرض كوبرى فى العالم!.

أرض مصر الطيبة.. أبداً لن تنضب عن انجاب العظماء!.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف