الأهرام
عبد الرحمن سعد
القرآن في أحاديث الرسول
صحَّ عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحاديث كثيرة، تناول فيها، صلوات الله وسلامه عليه، فضل تلاوة القرآن، والعمل به، باعتبارهما من أعظم القُرُبات إلى الله. ولِمَ لا، وقد قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)".(فاطر). قيل: "هذه آية القراء العاملين العالمين، الذين يقيمون الصلاة: الفرض والنفل، وكذا في الإنفاق".
لقد وردت في فضل القرآن، وبيان مكانته، سبعة أحاديث، وإن كانت صحيحة المعنى إلا أنها ضعيفة السند، وذلك كالتالي: "فَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ".(الترمذي عن أبي سعيد)، و: "إنك لن تتقرَّبَ إلى الله بِشَيءٍ أحبّ إليه من كلامه".(الترمذي عن ابن عباس)، و: "إنّ أفضلُ عبادة أمّتي تلاوة القرآن".(البيهقي عن النعمان بن البشير)، و: "إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه فليقرأ القرآن" (الديلمي عن أنسٍ).

ومنها: "من أحبّ أن يحبَّهُ الله ورسولهُ فلْينظُر فإنْ كان يحبّ القرآن فهو يحبّ الله ورسوله". (الطبراني عن ابن مسعودٍ)، و: "اقرؤوا القرآن، فإن الله تعالى لا يعذب قلباً وعى القرآن" (السيوطي عن ابن مسعود)، و"إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن".(الخطيب عن ابن عمر).

وعلى هذا أرسى ابن القيم، قاعِدة جليلة في الانتفاع بالقرآن، فقال، في كتابه "الفوائد": "إِذا أردْت الِانْتِفَاع بِالْقُرْآنِ فاجمع قَلْبك عِنْد تِلَاوَته وسماعه، وأَلْقِ سَمعك، واحضر حُضُور من يخاطبه بِهِ من تكلّم بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ، فإنه خَطاب مِنْهُ لَك على لِسَان رَسُوله. قَالَ تَعَالَى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد". (ق:37).

وأضاف: "لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ" الْمرَادُ الْقلب الحيّ الَّذِي يعقل عَن الله، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّا" (يس:69-70)، أَي حيّ الْقلب. وَقَوله "أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ" أَي أصغى سَمعه إِلَى مَا يُقَال لَهُ، وَهَذَا شَرط التأثّر".

"وَهُوَ شَهِيدٌ"، أَي: حَاضر الْقلب غير غَائِب، إِلَى الْمَانِع من حُصُول التَّأْثِير، وَهُوَ سَهْو الْقلب، فَإِذا حصل الْمُؤثر، وَهُوَ الْقُرْآن، وَالْمحل الْقَابِل، وَهُوَ الْقلب الْحَيّ، وَوُجد الشَّرْط، وَهُوَ الإصغاء، وانتفى الْمَانِعُ، وَهُوَ اشْتِغَال الْقلب، حصل الْأَثر، وَهُوَ "الِانْتِفَاع، والتذكّر".

والأمر هكذا، أخبرنا النبي، صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، بفضائل عدة، في أحاديث صحيحة كثيرة، لقارئ القرآن، أبرزها ما يؤكد خيريته. فعن عُثْمَان بن عفان، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ، صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". (البخاري)، وفي رواية عند البخاري عن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ أيضا، قال: قالَ النَّبيُ، صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أفْضَلكُم مَن تَعْلَّمَ القُرآنَ، وَعَلَّمَهُ".

ويشفع القرآن لصاحبه، لحديث أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ، رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، يَقُولُ: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ". (صحيح مسلم).

كما يشهد القرآن لصاحبه يوم القيامة، ويدخل السرور عليه؛ لحديث بريدة عن أبيه، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: "يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب (متغيِّر اللون)، فيقول: أنا الذي أسهرتُ ليلك، وأظمأتُ نهارك".(حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة").

وفي فضل مدارسة القرآن، ورد عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "وما اجْتَمعَ قومٌ في بَيتٍ من بُيوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ". (مسلم).

وفي كون قراءة حرف واحد من كتاب الله بعشر حسنات، ورد الحديث عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "مَن قَرأَ حَرفًا من كِتابِ اللهِ فلَهُ بهِ حسَنَةٌ، والحَسنةُ بِعَشرِ أمْثالِها، لا أقُولُ: آلم حَرفٌ، ولكنْ ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ " (رواه الترمذي والدارمي، وصححه الألباني).

وبالنسبة لأجر الماهر بالقرآن، والذي يتتعتع فيه، جاء الحديث عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "الماهِرُ بالقُرآنِ مع السَّفَرةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ, والذي يقرأُ القرآنَ ويتتعتعُ فيه، وهو عليهِ شاقٌّ له أجرانِ". (البخاري ومسلم واللفظ له). (وفي رواية: "والذي يقرؤه وهو يشتدُّ عليه له أجران)".

وفي فضل قراءة القرآن في الصلاة، ورد الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَثَلاثُ آيَاتٍ يَقْرَؤُهُنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ". (مسلم). (الخَلِفَةُ: الحامل من النوق ، وهي من أعز أموال العرب وقتئذ).

وعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَريِّ، رضي الله عنه، قال: "قال رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثلُ المؤمنِ الذي يَقرأُ القُرآنَ كمثلِ الأُتْرُجَّةِ، رَيحُها طَيّبٌ وَطعْمُها طَيّبٌ, ومَثلُ المؤمنِ الذي لا يَقرأُ القرآنَ كمثلِ التَّمرَةِ، لا رِيحَ لها وَطعْمُها حُلْوٌ, ومثلُ المُنافِقِ الَّذي يَقرأُ القرآنَ مَثَلُ الرَّيحَانَةِ رِيحُهَا طَيَّبٌ وَطعْمُهَا مُرٌ، ومَثَلُ المُنافِقِ الَّذي لا يَقرأُ القرآنَ كمثلِ الحَنْظلَةِ، لِيسَ لها رِيح وطعْمُهَا مُرٌ". (متفق عليه).

وأخيرا، في الحث على تعاهد القرآن، ومراجعة حفظه، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدَّ تَفَلُّتًا مِنْ أَحَدِكُمْ مِنْ الإِبِلِ مِنْ عُقلِهَا". (متفق عليه).

وكفى بها ميّزة أن "أَهْلُ القُرآنِ" هُم "أَهْلُ اللهِ، وخاصَّتُهُ"، لحديث أَنَسٍ، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ للهِ أهْلينِ مِن النَّاسِ". قِيلَ: مَن هُم يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: "أَهْلُ القُرآنِ هُم أَهْلُ اللهِ، وخاصَّتُهُ". (رواه النسائي، وصححه الألباني).

تلك عشرة أحاديث صحيحة وردت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في فضل قراءة القرآن وتلاوته والعمل به؛ ندعو الله سبحانه وتعالى، أن نكون من أهله: العالمين العاملين به.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف