الأشجار محبوبتى كصديق مخلص وفى استظل بفروعها الوارفة وأوراقها الحانية فى قيظ يوم حار او فى رياح عاتية، والزهور كائن ملىء بالحنان يملأ قلبى بالبهجة كصحبة رفيق الطفولة. الزرع بأشكاله الإعجازية كأسرة الانسان الذى يشعر الواحد معهم بالراحة، الوانه الدافئة وأشكاله البراقة وروحه النضرة تعطينا السكينة وتمنحنا الهدوء وتفتح لنا باب الأحلام. كل عضو فى الطبيعة صديق. الاحد الماضى، احتفل العالم بأسره بيوم الارض، وهى مناسبة دولية تقام منذ 48 عاما للاحتفال بهذه التربة العظيمة التى نعيش عليها وهذا الكون الخصب الذى نحيا من خيره. الاشجار تمتص التلوث وثانى اكسيد الكربون وتفرز اكسجينا نقيا. فى جو القاهرة المليء بالتلوث، تستطيع الاشجار أن تلعب دورا مهما فى شفط العوادم. كما أن الاشجار تشكل عنصرا أساسيا فى معادلة المناخ الآن فى وقت يعانى العالم كله ظاهرة الاحتباس الحرارى. وكل عام يتجدد السؤال المهم: هل نقوم بدورنا تجاه الارض، نحن كبشر وحكومات ومجموعات بشرية ارتبط سر وجودها به؟ عندما أسس جايلورد نيلسون هذا اليوم عام 1970 إثر التلوث الضخم الذى لحق بعدد من الأنهار الامريكية، تطورت من وقتها القوانين التى تحمى البيئة، لكن مازال ايضا الانسان يسيء لأرضه بأقسى الصور. لكن لابد ان نقاوم تلك الاساءة مهما كلفنا الامر. فى مصر تقدم وزارة البيئة نحو 30 الف شجرة للجهات والافراد لزراعتها، وأحيانا تقوم بإرسال قوافل بيئية للمساعدة فى زراعة تلك الاشجار. ومن اشهر الأشجار التى تتم زراعتها فى مصر مؤخرا هى شجرة الباولونيا التى تنمو بسرعة مدهشة وتعد بديلا فعالا للغابات المهددة بالانقراض. وتساعد أوراقها العريضة وحجمها الكبير فى تنقية الجو الخانق والملوث، اذا ما زرعت داخل المدن او على هيئة حزام حولها. إن دورة الطبيعة لابد لها ان تكتمل، خلقها الله كذلك لكى تستطيع كل أمور الدنيا ان تتوازن. الأشجار مهمة لسكن الطيور والقوارض، والتربة تحتاج للتطهير لكى تزداد نسبة خصوبتها، والاوراق والثمار والزهور غذاؤنا ومنها تستمد الفراشات وبعض الطيور رحيقها. رعاية الزرع وخاصة الاشجار كرعاية الطفل او الاهتمام بعلاقة انسانية مهمة مثل العلاقات بين الازواج والأصدقاء والأبناء. مؤكد أن الزرع يشعر ويحس، ولقد تأكد ذلك آلاف المرات طوال التاريخ من خلال تجارب البشر والتجارب العلمية. بعض الناس تشعر بان الزرع ينبض والشجر يتكلم، ربما بفعل التقاء الهواء مع غصونه، او بفعل موسيقى اوراقه التى تتعانق، ويهتز يمينا ويسارا. ومن المناسبات الحميمة التى احرص عليها بانتظام هو معرض زهور الذى تقيمه كل عام وزارة الزراعة ويقدم مختلف انواع الزهور والشجر ومستلزمات الحدائق. انه كجنة مصغرة لمحبى الطبيعة مثلى.
هناك اجد نفسى وأنا اتجول بين مباهج الطبيعة وإعجازات الكون، واظل على انبهارى كطفل صغير بكل شجرة بديعة وبكل زهرة مشرقة. الالوان تنادينى فألبى والأخضر يستعمرنى فأستجيب. واتمنى أن يكون كل منا بستانيا وفنانا بجانب عمله.
الفن والطبيعة يرققان القلوب ويلحقاننا بالفهم الواسع للدنيا. نحن محظوظون بوجود نهر النيل فى حياتنا فهو الذى جعلنا حضارة زراعية نفهم منطق الحياة وفضل الله فى الكون وأطوار التشكل والنمو، وقدرة الخالق اللا نهائية على أبداع كل الصور والأشكال وعلى خلق الحياة من العدم. الزراعة تعلمنا قيمة الماء وفضل الصبر وفلسفة نمو الحياة. نحن فى مصر من اولى الحضارات، وهل حضارة أولى بنيت دون الطبيعة وحب الزراعة؟
أما فى العالم، فقد انصب اهتمامهم هذا العام على عدة امور احتفالا بيوم الارض. أولها التحذير من القاء 12 مليون متر مكعب من منتجات البلاستيك مثل الشنط وخلافه، فى المحيطات كل عام، بنسبة أكبر من نسب الاسماك الموجودة. ولهذا وجدت الدراسات ان 83% من عينات تحليل الماء بالعالم احتوت على مواد بلاستيكية. وثانيها اهتموا كذلك بعدد الكائنات التى تنقرض كل عام من تلك التى تعيش على الكوكب، مما يفقدنا التوازن الايكولوجى اللازم لصيرورة الحياة. وعلى نحو معاكس، ظهرت للوجود كائنات رخوية جديدة ومفزعة خاصة فى قاع الأنهار الملوثة. ولعلنا نتذكر فى هذا السياق ان المصرى القديم كان يقول عن نفسه وهو يعدد فضائله وحسن سلوكه إنه لم يلوث يوما ماء النهر، فهل اقتدينا بأجدادنا وانتصرنا للخير بأنفسنا، وقرر كل منا أن يصنع احتفاله الخاص بيوم الارض العالمى، فقرر أن يحب الطبيعة ويحترمها.