بعد أن هاجمها بالصواريخ «الذكية» عاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى فتح المزاد على سوريا- ومن ورائها أمن الشرق الأوسط ـ رافعا شعار «ألا أونا..ألا دوس» بمعنى «ادفعوا مليارات الدولارات.. ونحن نطلق الصواريخ» قال فى مؤتمر صحفى مع نظيره الفرنسى: دول خليجية أصبحت غنية بفضل الحماية الأمريكية، ولا يمكن أن نستمر فى دفع التكلفة المرتفعة لوجودنا العسكرى بالمنطقة، دفعنا سبعة تريليونات دولار، ولم نحصل على أى شىء «المقابل» هذا يعنى أن المزاد مستمر، برغم «شفط» المليارات، الغريب والمحزن أنه لم يجرؤ مسئول عربى أن يواجه ترامب بالحقيقة، أنه لا أحد طلب من الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن خلخلة موازين القوى بالمنطقة، باحتلال العراق وتدميره، ثم تسليمه غنيمة على طبق من فضة لإيران التى تقوم بدور فزاعة الخليج.
قبل ذلك فجر ترامب قنبلة من العيار الثقيل، بإعلان رغبة واشنطن سحب قواتها من سوريا، صحيفة «وول ستريت جورنال» كشفت عن طلب الإدارة الأمريكية من عدة دول من بينها مصر، إرسال قواتها إلى سوريا، لتعويض انسحاب الأمريكيين، لتفادى «الفراغ الأمنى» أو عودة تنظيم داعش للظهور، أو تمدد المليشيات الموالية لإيران أو تركيا. بحسب الصحيفة لم يتبق أمام العرب سوى ستة أشهر لتشكيل القوة البديلة، إذ يصر ترامب على سحب القوات قبل الانتخابات الفرعية للكونجرس، فى نوفمبر المقبل.
ترامب رجل «فهلوى»، يريد الانسحاب والأموال وجيوشا بديلة، ثم يأخذ ثمرة جهودها وينسبها لنفسه، المفارقة أنه يحتل ربع أراضى سوريا، ويريد أن يسلمها إلى آخرين ليحققوا مصلحته، لا مصلحتهم. بينما يتحفظ بعض أركان إدارته على «انسحاب أمريكا» من شرق الفرات الغنى بالنفط والغاز، ومن هؤلاء البنتاجون، الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأمريكية صرح بأن «الجزء الصعب، لم يأت بعد»، فى إشارة إلى دور بلاده المنتظر، بإعادة الإعمار فى مرحلة ما بعد الصراع.
دول خليجية رحبت بالمقترح الأمريكى والمشاركة بالأموال والقوات، لإبراز دورها وإرضاء واشنطن وعرقلة المشروع التوسعى الإيرانى، سواء عبر جيوشها النظامية أو مرتزقة «بلاك ووتر»، وفقا لوسائل إعلام غربية.
عقبات هائلة تقف أمام نشر قوات عربية: ستصبح وجها لوجه أمام قوات روسيا وإيران وتركيا وحلفائهم، كذلك الجيش السورى؛ لأن نظام الأسد مازال السلطة المعترف به دوليا، ووجود هذه «القوات» دون دعوة رسمية، قد يجعلها هدفا مشروعا، كما أن دخول تلك القوات شرق الفرات بجوار القوات الكردية الموالية لواشنطن، اعتراف عربى بمخطط تقسيم سوريا القائم برعاية غربية ــ تركية، مخطط لن يتوقف عند المحطة السورية، لأنه سيدهس الجميع، وأولها الدول التى شاركت به بالمال والسلاح، وحدها إسرائيل ستبقى قوة عظمى إقليمية متفردة تدير الشرق الأوسط، بالوكالة عن عواصم الغرب..!
هنا نأتى للنقطة الأهم، موقف مصر من هذا الابتزاز أو الاستدراج الأمريكى إلى المستنقع السورى.. القاهرة ليست بحاجة إلى مجاملة أحد أو إبراز دورها، جيشها الأقوى بالمنطقة يخوض حربا ضروسا مع الإرهاب فى سيناء، ويؤمن الحدود الممتدة بين مصر وليبيا الخاضعة لسيطرة مليشيات مسلحة، ويتعرض الأمن القومى لتهديدات غير مسبوقة، فكيف ترسل قوات إلى جبهة أخرى؟، ثم أليس الغرب نفسه هو من أقام الدنيا ولم يقعدها، عندما قصف الطيران المصرى بؤرة إرهابية فى ليبيا، بعد ذبح داعش 21 مصريا، فلماذا الآن يطلب من مصر أن تساند مليشيات تقاتل الجيش السوري؟!.
وبالرغم من عدم وضوح رد الفعل الرسمى، فإننى أعتقد أن خطاب الرئيس السيسى فى القمة العربية بالسعودية وتأكيده وحدة سورية، «ضربة استباقية بارعة» للانخراط فى مغامرة كتلك. مصر ليست مخلبا لأحد، والراسخ فى العقل والوجدان أن أى عدوان على سوريا (الإقليم الشمالي) مقدمة لاستهداف مصر (الإقليم الجنوبي). وغير خاف على أحد أن القاهرة تدفع ثمن موقفها من دمشق، تتزايد الإغراءات والضغوط وكل الاحتمالات واردة، ولو أن المطلوب قوات حفظ سلام فى إطار عملية سلام شاملة لربما جاز الأمر. لكن مزاد ترامب يتواصل وصواريخه جاهزة، عبث هائل على مسرح الشرق الأوسط، دمشق تواجه المؤامرات بسيف صلاح الدين المرفوع بساحتها، إنه زمن الوهن والتهافت العربى، مما يجعل البحث عن حل سياسى للأزمة ضرورة وجودية، من خلال الإسراع بوضع دستور سورى توافقى وتطبيق مقررات «جنيف-1»، فلا طوق نجاة للجميع إلا بتقوية شوكة الأمة ونبذ الفرقة، فالقاعدة التاريخية تقول إن من لا يتقدم، يتأخر..!