أمال عثمان
أوراق شخصية مواطن بدرجة وزير.. ومواطن علي رأسه ريشة!
كتبت الأسبوع الماضي حول قانون رفع مرتبات ومعاشات نائب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء والمحافظين ونوابهم، ذلك القانون الذي يضاعف مرتبات هؤلاء السادة صناع القرار عشرين ضعف ما كان مقررا في القانون السابق، لتصل إلي الحد الأقصي وهو 42 ألف جنيه، ويرفع معاشاتهم إلي 33 ألف جنيه، لتبدأ ميزانية الدولة تحمل أعباء تلك المعاشات مع أول تعديل وزاري مرتقب، إلي جانب تحمل أعباء مرتبات الناس اللي فوق!
صحيح أن خفض الدعم، ومضاعفة فواتير الكهرباء والغاز والمياه والمواصلات في يوليو القادم، سيخفف جزءا من تلك الأعباء التي تتحملها ميزانية الدولة بعد الزيادات المالية المرتقبة للمحظوظين، لكن الصحيح أيضا أن الحكومة بذلك تفتح علي نفسها أبواب جهنم، سواء نتيجة مشاعر الغضب والإحباط والاستفزاز التي أصابت المواطنين من ذلك القرار، أم بسبب الدعاوي القضائية المتوقعة ممن أثار القانون حفيظتهم، للمطالبة بحق المعاملة بالمثل لكل من تجاهلت الدولة كرامتهم، ولم يشملهم القانون مثل أقرانهم، ولا يخفي علي أحد أن عدم تطبيق القانون علي الجميع يعد مخالفة دستورية تضع الحكومة في مأزق!
لن أناقش قانون زيادة مرتبات ومعاشات الناس اللي فوق، فقد سبق السيف العذل، لكنني أتوقف هنا أمام التناقض الصارخ في مواقف وتصريحات أعضاء البرلمان، هؤلاء الذين استقبلوا مشروع القانون بموجة عارمة وحادة من الانتقادات، وصلت إلي حد مطالبة الحكومة بسحبه بشكل نهائي، لكنهم فجأة تحولوا بقدرة قادر إلي مدافعين مستميتين عنه، وتباروا في تقديم مبررات وأسباب تفتقد إلي المنطق وتعصي علي الإقناع.
لقد صرح النائب محمد أبو حامد عضو لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة بالبرلمان خلال لقاء تليفزيوني علي شاشة الغد، بأن المسئولين باتوا يرفضون تولي الحقائب الوزارية بسبب ضعف العائد المادي الذي يتقاضاه الوزير، وهذا ما يجعل قانون زيادة مرتبات الوزراء ضرورة، في حين يقر في نفس اللقاء بأن القانون الجديد بمثابة تقنين أوضاع لن يُحمل ميزانية الدولة أعباء إضافية!!
بالله عليكم أيهما نصدق؟! والأغرب الغريب حقا أن ما قاله سيادة النائب يتنافي تماما مع تصريح نائب وزير المالية، الذي أقر بأن مشروع القانون بشكله الحالي دون الزيادة التي طالب بها نواب البرلمان، يكلف خزانة الدولة 2٫5 مليار!! ولكن السؤال: هل تعني زيادة مرتبات الوزراء عدم حصولهم علي الحوافز والمكافآت والبدلات التي كانوا يتحصلون عليها؟!
إنني في الحقيقة لا أعرف لماذا يرثي حضرات النواب علي حال الوزراء، بعد خروجهم من المنصب، هل هم وحدهم من يحتاجون لمعيشة متكاملة الكرامة بعد مغادرة مناصبهم؟ أليس من حق كل مواطن أن يعيش بكرامة بعد تركه منصبه، وسداد مستحقات الدولة من ضرائب وتأمينات؟ أم أن الكرامة فقط لمن يحمل لقب وزير سابق؟!
يا سادة هل تأتي الدولة بالوزراء من منازلهم، أم أنها تختار مسئولين من جهات مرموقة، أثبتوا نجاحات في المواقع التي شغلوها لسنوات عديدة، فلماذا نفترض أن الوزير يتسول بعد تركه منصبه؟! إن الشخص الناجح لا تصنعه المناصب والألقاب، ولدينا العديد من الوزراء السابقين مازالوا يعملون في مواقع مختلفة سواء كانوا يشغلونها قبل المنصب، أم بعد خروجهم منه، لأن كلا منهم تعامل في ظل وجوده في الكرسي باعتباره مواطنا بدرجة وزير، لا فرق بينه وبين من يخدم الوطن في أي موقع آخر، أما أي وزير ينتظر معاشا هبط عليه من السماء بحكم القانون الجديد، فهو في رأيي مواطن علي رأسه ريشة!!
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: إذا كان عدد نواب البرلمان الذين رفضوا القانون لا يتجاوز 10 أعضاء، كما صرح بذلك النائب عاطف مخاليف، فما موقف أعضاء لجنة القوي العاملة التي رفضت أصلا طرح مشروع القانون للمناقشة، وطالبوا بسحبه نهائيا، واتهموا الحكومة بعرض القانون بطريقة "خبيثة"؟! وما موقف النائب محمد عبد الله زين من القانون الذي وصفه بالاستفزازي، وغير المناسب سواء من حيث التوقيت أم الكيفية، وفي ظل رفض الحكومة لزيادة الحد الأدني للأجور، ومطالبة الشعب بترشيد النفقات وتحمل زيادة أسعار السلع والخدمات دون أن يصاحب ذلك زيادة في الرواتب؟!
وهل تضم قائمة النواب العشرة الرافضين للقانون النائب جبالي المراغي الذي طالب الحكومة بسحب المشروع نهائيا؟ في ظل العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة، وارتفاع الدين المحلي، مثلما فعلت في قانون الخدمة المدنية الذي رفضه مجلس النواب، واستجابت الحكومة وسحبته.
إن منظومة المرتبات والأجور والمعاشات كلها تحتاج إلي إعادة نظر، وعلي الجميع تحملها دون تفرقة بين وزير أو غفير، أو بين مواطن بدرجة وزير وآخر علي رأسه ريشة!!