الأخبار
عبد الله البقالى
علاقة أبناء عمومة بين شكلي الإرهاب المعاصر
حديث الأسبوع
... وإن تصببت سلطات الكيان الصهيوني عرقا، وهي تقتنص بعض اللحظات لتكشف لنا عن منسوب عدائها مع ما يسمي بـ »تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»‬، والذي اكتسب شهرة كبيرة بكلمة جديدة دخلت جميع قواميس اللغات واللهجات العالمية »‬داعش»، فإننا سنكون مطالبين بمنسوب عال جدا من السذاجة لنصدق مثل هذا الكلام. فهي لا تجد متسعا من الوقت لمحاولة تضليل الرأي العام في هذا الصدد، ولا تفرغ من الانشغال بإيران، ولا يفتر حماسها في قتل أبناء شعب أعزل مقاوم من أجل حقه في الحياة، ولذلك فإن الانشغال بـ »‬داعش» لا يجد له موقعا متقدما في اهتمامات سلطات الكيان الصهيوني الغاشم.
هذا الفتور من طرف الكيان الصهيوني في استعداء حركة إرهابية خطيرة جدا، يبدو من حيث الشكل -علي الأقل- أنها تمثل أكبر تهديدا، ليس للكيان الصهيوني فقط، ولكن للاستقرار والأمن والسلم في العالم بأسره، يستحق أن يشغل بال واهتمامات الرأي العام الدولي، والرأي العام في المنطقة العربية بالخصوص.
لسنا في حاجة إلي كثير من الأدلة، التي تعمق شرعية السؤال حول البرودة الكبيرة التي يبديها تنظيم »‬داعش» الإرهابي تجاه الكيان الصهيوني، والفتور الكبير الذي تبادل به سلطات الاحتلال خطورة هذا التنظيم، ولعله يكون كافيا الاستدلال بما خلص إليه »‬معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» في دراسة له حول وجود خطر نشوب حرب علي الجبهة الشمالية للكيان الصهيوني، حيث حدد هذا الخطر في ثلاث قوي أساسية وهي إيران وحزب الله ثم النظام السوري، ولم يزعج هذا المعهد الذي يمثل مصدرا رئيسيا من مصادر الخطط العسكرية الإسرائيلية تنظيم داعش الإرهابي، إذ أقر بأنه لا يوجد -علي الأقل- في المراتب الثلاث الأولي في لائحة مصادر خطر الحرب علي الكيان الإسرائيلي. هذه الحقيقة التي قد يكون لتزاحم التطورات والأحداث دور ما في تواريها إلي الخلف، يؤكدها مصدر آخر من مصادر التخطيط الأمني والاستخباراتي في حكومة الكيان الصهيوني، ويتعلق الأمر بمركز »‬مئير عميت للمعلومات الاستخباراتية» الذي قال في تقرير حديث له إن إسرائيل لم تعد تخشي »‬داعش» بعد سقوط مشروع الدولة الإسلامية، وأن القلق الرئيسي في تل أبيب يتمحور حول الوجود الإيراني في سوريا، والأدهي في الأمر أن نفس التقرير يعترف بأن (تنظيم داعش الإرهابي لا يزال يحتفظ بقدرات قتالية عالية رغم تفككه، وسيعود إلي نمط حرب العصابات).
قد نطيل في الحديث عن علاقات الود التي يبدو أنها تجمع بين تنظيم يأخذ شكل عصابات وإرهاب يتجلي في شكل دولة، لأن عمق السؤال حول طبيعة هذه العلاقة بين الشكلين المتكاملين للظاهرة الإرهابية العالمية الحديثة يغري بذلك. فقد أكدت تجارب ومحطات عديدة ومتعددة وجود تعاون وتنسيق بين الجانبين، خصوصا في المجال الاستخباراتي، ولنا في أن المخابرات الإسرائيلية كانت الجهة السباقة إلي التأكيد علي أن زعيم التنظيم الإرهابي أبا بكر البغدادي لم يعد موجودا في الموصل، حينما كانت القوات العراقية تزحف نحوها، وهي مقتنعة بأن لحظة إعلان الصيد الثمين أضحت وشيكة جدا، قبل أن يتبين أن المخابرات الإسرائيلية كانت تتوفر علي الخبر اليقين. كما لم يعد خافيا أن وحدة استخباراتية إسرائيلية تنشط في العمق السوري كانت السباقة إلي العلم، بأن التنظيم الإرهابي سيستخدم الحواسيب في عمليات تفجير الطائرات، ولذلك قامت قائمة الأجهزة الاستخباراتية في العالم لإجبار شركات النقل الجوي العالمية علي منع إدخال الحواسيب إلي الطائرات. حتي وإن لم تكن هذه الوقائع، وغيرها كثير، تجزم بصفة قطعية بوجود تعاون وتنسيق بين الظاهرتين الإرهابيتين في العالم، فإنها علي الأقل تؤكد بما لا يدع مجالا لأدني شك، وجود اختراق استخباراتي اسرائيلي حقيقي يصل إلي عمق ومفاصل تنظيم داعش الإرهابي.
بغض النظر عن كل ما سبق، فالمواطن العربي والمسلم العادي المتجرد من أدوات التفكير العلمي والمتحرر من شروط التحليل الموضوعي يطوقه السؤال البسيط، لماذا لا تستهدف »‬داعش» الإرهابية المصالح الصهيونية، لماذا لا تضرب »‬داعش» في عمق الكيان الإسرائيلي كما ضربت في فرنسا وبلجيكا، وفي غيرها من بقاع العالم، واستهدفت مواطنين مسالمين عاديين كانوا يمارسون حياتهم العادية ووضعتهم الأقدار في المكان والتوقيت الخطأ، ليسقطوا ضحايا أبرياء لفعل إرهابي؟ لماذا لا تلتفت »‬داعش» الإرهابية إلي الضفة الأخري من سيناء، وتضرب عدوا تحلل كل قوانين العالم الوضعية والسماوية قتاله، لأن الأمر في هذه الحالة يتعلق آنذاك بشرعية المقاومة، عوض قتل الأبرياء من أبناء شعب مصر، وترويع الأطفال وتدمير الحضارة؟ لم لا تستعرض »‬داعش» الرهيبة عضلاتها في استعداء الكفر في جسد إرهاب يفتك بجميع الأديان؟
أسئلة كثيرة نترك للإعلام الغربي وللرأي العام في تلك الدول المتقدمة والمتحررة والمثقفة والواعية حرية الإجابة عنها بالصيغ التي يقدرونها مناسبة.
• نقيب الصحفيين المغاربة
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف