خارج النص
علي مدي السنوات الماضية تحول مصطلح حقوق الإنسان إلي مصطلح سيئ السمعة، يستدعي ترديده مفردات مثل التقارير المغلوطة، التمويل الأجنبي، والمنظمات المشبوهة.
والحقيقة أن تلك الصورة السلبية لم تأت من فراغ، فحركة حقوق الإنسان العربية، وليست المصرية فقط، كانت ميدانا لممارسات غريبة أخرجتها عن مضمونها، وحولتها إلي »سبوبة» بكل معني الكلمة، يستخدمها البعض للتكسب والحصول علي تمويل سخي من منظمات تفرض أجندتها وأولوياتها، وتنصب من نفسها - بأموالها - وصيا علي حقوق الإنسان العربي، بل وعلي الدول العربية نفسها.
وأزمة حقوق الإنسان والصورة السلبية التي باتت تلاحق منظماتها ليست بالأمر الجديد، لكن عتابي اليوم لتلك المنظمات أنها غابت عن كثير من الملفات الحقيقية التي كان يمكن أن تلعب دورا حيويا بها، وتكتسب قيمة حقيقية في الشارع العربي، وتخدم بحق حقوق الإنسان، فأين منظماتنا الحقوقية من الجرائم التي يرتكبها الإرهاب ضد الحق في الحياة، وأين تلك المظمات من جرائم الحرب الدموية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين يوميا، وبخاصة منذ انطلاق مسيرات العودة، والتي يسقط خلالها عشرات الشهداء برصاص دولة احتلال لا تعرف سوي القتل، ولا تفهم علي مدي تاريخها غير لغة الدم.
وأين تلك المنظمات من جرح العرب النازف في سوريا، والتي باتت تمثل أخطر أزمة إنسانية يعرفها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وصار شعب بأكمله يتعرض للإبادة والتشريد برصاص وقنابل وصواريخ تنهال فوق رأسه من كل الاتجاهات، فكل المصالح تلاقت علي قتل السوريين، وكل من يرفعون أصواتهم الكاذبة بالدفاع عن حقوق الشعب السوري شربوا حتي ارتووا من دماء ذلك الشعب المسكين، وحولت القوي العالمية الكبري بلاد الشام إلي ميدان »ضرب نار» تجرب فيه مختلف أنواع أسلحتها، وصارت أجساد الأشقاء السوريين لوحات »نشان» حية تتبادل كل الأطراف إطلاق النار عليها لاستعراض مهاراتها في اصطياد الأهداف!!
لماذا لم تبادر منظماتنا الحقوقية إلي الاتحاد أو ما يسمونه بلغة الحقوقيين »التشبيك» من أجل إعداد تقارير ميدانية موثقة يمكن أن تقدم صورة صادقة عما تشهده أرضنا العربية من مآسٍ، بدلا من تلك التقارير المسيسة التي تستخدم لخدمة طرف ضد آخر، وتتحدث فقط بلغة من يعرفون أرقام الحسابات المصرفية لتلك المنظمات!!
أما آن لمنظماتنا الحقوقية أن تدرك أن مصداقيتها صارت في الدرك الأسفل، وأن عليها أن تبادر للعودة إلي أهدافها الحقيقية وهي خدمة الإنسان وحقوقه الأساسية، وأن تستخدم صلاحياتها واحترام العالم - ولو شكليا- للغة حقوق الإنسان لتقوم بدور وطني وقومي مهم في التحرك علي المستوي الدولي لفضح الجرائم التي ترتكبها الدول الكبري بحق الإنسان العربي، وأن تكون تقاريرها صوتا قويا للمقهورين والمظلومين من أبناء الشعوب العربية الذين دهستهم آلة الموت بقيادة وتواطؤ دول كبري لا تحركها سوي بوصلة المصلحة، حتي ولو كان الطريق مفروشا بأجساد ملايين الأبرياء.