الوطن
د. محمود خليل
ماقدرش أحارب أمريكا
لا خلاف على أن الضغوط الدولية التى مُورست على كوريا الشمالية خلال الأشهر الماضية، خصوصاً الضغط الأمريكى، مثّلت سبباً مباشراً فى دفع الرئيس «كيم جونج» إلى القيام بزيارته التاريخية إلى كوريا الجنوبية. هل يلعب «جونج» بمعادلة «التهديد بالقوة أقصر طريق لتحقيق الأهداف»؟. ربما كان كذلك. نحن لدينا تجربة شبيهة عشناها فى مصر، خاضها الرئيس الراحل أنور السادات، عندما اتّخذ قراراً تاريخياً بزيارة إسرائيل عام 1977، والدخول فى مفاوضات مباشرة مع العدو، من أجل تحرير سيناء، التى احتُلت عشية نكسة 1967. المنطلق الأساسى لحل مشكلة «الأرض المصرية المحتلة» عن طريق التفاوض السلمى تمثّل فى تلك العبارة التى ما فتئ السادات يكررها من أن «99% من أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة الأمريكية». ورغم ما أثارته العبارة من غضب وقتها، إلا أن السادات كان يعبّر عن حقيقة شاخصة على الأرض. فالولايات المتحدة الأمريكية كانت -وما زالت- تشكل ظهيراً لإسرائيل، وهى لا تتورّع وقت الأزمات عن الحرب إلى جوارها، وفرض السلام الذى تريده، والذى يتوافق مع «مصالح إسرائيل» على العرب جميعاً.

تقديرى أن «جونج» انطلق فى زيارته إلى كوريا الجنوبية من القواعد نفسها التى ارتكن إليها السادات: «99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا».. و«ماقدرش أحارب أمريكا». فالأسابيع القليلة الماضية شهدت تراجعاً ملحوظاً فى خطاب التهديد الذى تبنّاه «جونج» فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية عبر الأشهر الماضية. فقد خرجت تصريحات عن كوريا الجنوبية -أوائل مارس الماضى- تؤكد فيها أن جارتها الشمالية مستعدة للدخول فى محادثات مع الولايات المتحدة وتعليق برنامجها النووى، إلى حين انتهاء المحادثات. ولا خلاف على أن زيارة «جونج» لجارته الجنوبية تُعد خطوة جديدة على طريق التراجع.

الولايات المتحدة الأمريكية فرضت عقوبات اقتصادية قاسية على كوريا الشمالية، هزّت أوضاع «جونج» السياسية، بل هدّدت استمراريته كحاكم بأمره فى الشعب الكورى الشمالى. فرضت واشنطن عقوبات على شركات وأفراد كوريين وحذّرت الخزانة الأمريكية من مخاطر فرض عقوبات على الأطراف التى تسمح بنقل البضائع عبر البحر إلى كوريا الشمالية ومنها. هذه الضغوط وغيرها هى التى ساقت «جونج» إلى اللجوء لتكتيك «التراجع بضع خطوات إلى الخلف». وهو تكتيك يعيد التذكير بعبارات السادات عن أمريكا التى تمتلك 99% من أوراق اللعبة.

توافر بعض أدوات التهديد لا يخلو من فائدة. فامتلاك «جونج» بعض عناصر ومرتكزات القوة سيجعل وضعه التفاوضى أقل سوءاً. فالولايات المتحدة الأمريكية والعالم من خلفها يعتبر بفكرة القوة، ويتفاوض بأساليب مختلفة مع من يملك أدوات تهديد، قياساً إلى الضعيف العارى من أى أوراق يمكن أن يلاعب العالم بها. خلال الأشهر الماضية أطلقت كوريا الشمالية عدة صواريخ على سبيل الاستعراض، بعدها لجأ «جونج» إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، ولا نستطيع أن نُقرّر على وجه الدقة كيف سيدير معركته مع الطرف الآخر، لكن ثمة مكاسب ذاتية (تتعلق بجونج) وموضوعية (تتعلق بكوريا) يمكن أن يحققها الرجل عندما يجلس ويتفاوض. من المرجّح أن «جونج» سلم بأن 99% من أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة، لكنه يعلم أن وضعه ليس سيئاً.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف