أخطر ما يمكن أن يهدد مستقبل الأوطان، هو اللجوء إلى دولة الغاب، وتغييب دولة القانون.. أيضا تغييب الرؤية السياسية.. لعل تجربة مصر فى العقود السابقة، خير دليل على ذلك، حيث عانت مصر كثيرًا، ودفعت ثمنًا باهظًا بسبب هذه الرؤية. ربما لو عاد بنا التاريخ قليلا لوجدنا أن سياسة الضرب فى سويداء القلب لم يتبعها ولم يؤسسها إلا زكى بدر وزير الداخلية .. وأخرج مصر من دائرة الاستقرار والهدوء التى شهدتها مصر مع سياسة وزيرى الداخلية فى ذاك الوقت حسن أبو باشا وأحمد رشدى 1982..1986.. وكانت مصر قد شهدت قبل ذلك أحداث 1981 التى استشهد فيها الرئيس محمد انور السادات واستهداف مديرية أمن اسيوط ووقوع شهداء من أبناء مصر الضباط والجنود تجاوز المائة.
بعد هذه الاحداث مباشرة تمت الإطاحة بالنبوى إسماعيل وزير الداخلية، وإلقاء القبض على المعارضين وصاحب مقولة سنأتى بالمعارضين من غرف نومهم وهم بلابيص.. رحل النبوى إسماعيل .. وتغيرت العقلية وتصدرت الرؤية السياسية وأهل الفكر والعلماء المشهد، وكان ابرز هذه الاعمال ندوات الحوار التى أشرف عليها حلمى البلك تحت عنوان ندوة للرأى وكان يستضيف فيها الرأى والرأى الآخر وعلماء الدين والفكر والاجتماع، بل وطرف آخر كان محسوبًا على طرف العنف. وكان لهذا الاتجاه آثار ايجابية واستقرار ساعد على ذلك إيمان أبو باشا وأحمد رشدى من خلفه على الاستقرار .. ومع وصول زكى بدر بعهده المشئوم .. على الفور بدأ فى أعمال وتنفيذ استراتيجيته بالضرب فى سويداء القلب.
وبدأ العنف الثأرى ما بين إرهاب تم إيقاظه واستدعائه وبين رجال الشرطة. واستمر هذا الأمر طويلا. وكان زكى بدر يتخذ من رغبته فى استمرارية هذا الامر غطاء لأعمال الفساد والاستيلاء على الأراضى فى محافظات الدقهلية وكفر الشيخ .. وتصفية حساباته مع خصومه فى المعارضة مثل الكاتب الراحل فارس المعارضة المصرية مصطفى شردى، وزعيم المعارضة ممتاز نصار والمهندس ابراهيم شكرى .. وحتى مع خصومه من زملائه فى الوزراء حتى طاشت رصاص لسانه الزالف الى علية القوم ومن هنا أطيح به فى 1990.. ولكن بعد أن جر مصر إلى بحر من الدماء.
وحتى مع وصول الوزير عبدالحليم موسى، واصلت العملية الثأرية من قبل إرهاب تم إيقاظه واستدعاؤه مع الشرطة سنوات، وعندما حاول عبدالحليم موسى اللجوء إلى حوار سرى وتسرب حينها أن عبدالحليم موسى التقى عبود الزمر بعد نقله فى سرية من السجن إلى مكتبه فى وزارة الداخلية، للبحث عن مراجعة للأفكار تمت الإطاحة فورًا بعبد الحليم موسى.
ولم يجرؤ خليفته حسن الألفى بعد ذلك فى طرق هذا الباب حتى تمت إقالته فى أعقاب حادث الأقصر الإرهابى .. ومع وصول حبيب العادلى إلى وزارة الداخلية وصلاح سلامة رئيس مباحث أمن الدولة، تمت عملية المراجعات وكاد العنف والإرهاب أن ينتهيا تماما .. ومن هنا نصل إلى أن مقاومة الإرهاب أمنيا فقط هذا أمر غير كافٍ . فلابد من تحديد الهدف .. ومحاصرة الأزمة فى نطاقها .. مع أهمية وضرورة استدعاء الرؤى الفكرية والسياسية والإعلامية الوطنية وأهل العلم.