الدستور
ماجد حبته
دول الـ«ناتو» أيضًا تدفع الجزية!
لم تمض ساعات على حلفه اليمين، وزيرًا للخارجية، إلا وطالب مايك بومبيو أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بزيادة مساهماتهم المالية في الحلف. وكانت تلك هي الرسالة الأهم أو الأبرز في ذلك الاجتماع. بالضبط، كما كانت الرسالة الأهم والأبرز في حوار السياسات المتناقضة، أو في قمة ترامب وماكرون، هي قيام الرئيس الأمريكي، بصراحة أو بوقاحة، بتهديد بعض دول منطقة الشرق الأوسط بأنها «لن تصمد ‏أسبوعًا دون الحماية الأمريكية»، قبل أن يبتزها ويطالبها بدفع مزيد من الأموال!.‏

هذا هو اللقاء الأول لوزير الخارجية الأمريكي الجديد مع نظرائه في حلف الناتو. وهو آخر لقاء يشهده مقر الحلف الحالي، قبل الانتقال إلى المقر الجديد الذي تمت الموافقة على إنشائه سنة ١٩٩٩، وبدأ بناؤه سنة ٢٠١٠، وتجاوزت تكلفته المليار يورو. وكان مقررًا أن يتم الانتقال إليه مع بداية العام الجاري، لكن تم التأجيل بسبب مشاكل فنية أبرزها يتعلق بنظام تكنولوجيا معلومات المبنى الجديد، الذي زاره ترامب، مايو الماضي، خلال أول جولة له خارج الولايات المتحدة، ووقتها كتب في حسابه على تويتر: «لم أسأل ولو لمرة واحدة، كم تكلف المقر الجديد لحلف شمال الأطلسي، رفضت أن أفعل ذلك، لكنه جميل»!.

الرسالة التي لم يكن «بومبيو» يحمل غيرها تقريبًا، لم تكن جديدة على أعضاء الحلف، إذ لم يتوقف ترامب منذ بداية حملته الانتخابية، عن مطالبة أعضاء الحلف، وكل حلفاء الولايات المتحدة، بزيادة إنفاقهم العسكري لتخفيف العبء عن واشنطن. وسيرًا على خطى رئيسه، قال بومبيو إن «على الدول الأوروبية تحمل مسئولية أمنها وإقناع مواطنيها بالأهمية القصوى التي يكتسبها الوفاء بالالتزامات على صعيد الإنفاق الدفاعي». وانتقد ألمانيا لأنها لا تقوم بما يكفي للوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الحلف. وكان غريبًا أن يستقبل هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، ذلك بصدر رحب، وأن يصف النقاش بأنه «تم بطريقة بناءة للغاية». كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن جان أسلبورن، وزير خارجية لوكسمبورج، أن «مايك بومبيو شدد بالطبع على ضرورة تقاسم أعباء النفقات، لكنه قام بذلك بعيدًا عن أي عدائية».

سبق أن نجحت الولايات المتحدة في انتزاع تعهد من أعضاء الحلف، في سبتمبر ٢٠١٦، بتخصيص ٢٪ من إجمالي ناتجها المحلي للإنفاق العسكري. لكن ست دول فقط هي التي التزمت بذلك التعهد من بين دول الحلف التي صار عددها ٢٩، بعد انضمام جمهورية الجبل الأسود، يونيو الماضي. وغير الدول التسع التي قدمت خططًا تؤكد نيتها الالتزام بذلك التعهد مستقبلًا، فإن الأعضاء الـ١٣ الباقين، لم يفعلوا هذا ولا ذاك، أبرزهم ألمانيا التي أعلنت أنها لا تنوي زيادة إنفاقها العسكري إلا بنسبة ١.٢٥٪ من إجمالي ناتجها المحلي بحلول ٢٠٢١. وربما لأنها العضو الأوروبي الأكبر والأكثر ثراء، ترك ترامب الدول كلها واختص ألمانيا وحدها بانتقادات علنية متكررة، وصلت في بعض الأحيان حد الابتزاز الواضح!.

بومبيو، عسكري سابق، تولى منذ يناير ٢٠١٧ رئاسة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ويحظى بدعم كبير من الرئيس الأمريكي، الذي وصفه الخميس الماضي بأنه «ورقة استثنائية» للولايات المتحدة في «وقت حرج». كما سبق أن أعلن وقت اختياره أنه «الشخص المناسب لهذا المنصب». وقبل أن يشغل منصب وزير الخارجية، رسميًا، أرسله ترامب، أواخر مارس، إلى بيونج يانج لعقد لقاء، ظل سريًا لفترة، مع كيم جونج أون تمهيدًا للقمة المقرر انعقادها بين الرئيسين، الأمريكي والكوري الشمالي، في مايو أو يونيو المقبلين. وإن كان ذلك كله، لا ينفي ما سبق أن أوضحناه، بأن اختيار «بومبيو» لا يشير، بالضرورة، إلى تغيير حقيقي في السياسات الخارجية الأمريكية، أفعالًا أو قرارات، وأن ما قد يختلف فقط، هو الأقوال أو التصريحات، في المساحة المحدودة التي يتاح فيها للمسئول (أي مسئول) التعبير عن وجهة نظره أو أن «يفك نفسه بكلمتين»!.

التكئة، التلكيكة أو الفزاعة، التي برر بها «بومبيو» مطالبته بضرورة زيادة النفقات العسكرية، كانت الخطر الذي تمثله روسيا بزعم أنها تشكل «عاملًا مزعزعًا للاستقرار في أوكرانيا وجورجيا وسوريا». وتحدث باستفاضة عن السياسات التي تتبعها واشنطن حيال روسيا، القائمة على الردع العسكري والدبلوماسي. ومع أن هيكو ماس، وزير الخارجية الألماني، أكد أن الحلف لن يتوصل إلى حلّ للكثير من النزاعات دون روسيا، ومع أن كثيرين اتفقوا معه على ضرورة الحفاظ على الحوار مع موسكو، إلا أن ينس ستولتنبرخ، أمين عام الـ«ناتو»، قال خلال مؤتمر صحفي بعد المناقشات المخصصة للعلاقات مع موسكو: «نجد أنفسنا في وضع غير مسبوق مع روسيا. لم تعد هذه الحرب الباردة، لكنها ليست تمامًا الشراكة الاستراتيجية التي سعينا لإقامتها معها».

صحيح أن روسيا تقوم بتعزيز بنيتها التحتية العسكرية، وصحيح أن تطويرها للسلاح هو أحد أبرز الأساليب والوسائل التي انتهجتها لتجاوز مرحلة الفشل والخطأ في الحسابات التي ارتكبتها خلال الحقبة السوفيتية، أو ما بعدها. إلا أن احتمال نشوب حرب «ساخنة»، أو حقيقية، ليس واردًا أو شبه منعدم. وبالتالي يمكن النظر إلى مبالغة واشنطن في تقدير (أو تصدير) الخطر الروسي باعتبارها تكئة، تلكيكة أو فزاعة، لإجبار دول الـ«ناتو» على دفع مزيد من الأموال مقابل الحماية، وهو ما سبق أن أشرنا إلى أنه نظام معمول به من قديم الأزل، تصفه اللغة الإنجليزية «‏Tribute‏» أو «‏Royalty‏» ويوصف في اللغة العربية بـ«الإتاوة» أو ‏‏«الجزية»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف