المصريون
جمال سلطان
الرقابة الإدارية تحرق شماعة الفساد
عقب الكارثة التي حلت بالتجمع الخامس قبل أيام ، بسبب هطول الأمطار لعدة ساعات ، فغرقت الشوارع والبيوت وتوقفت حركة الناس تماما في بعض الطرقات ، وبعد أن انتشرت موجة غضب واسعة في البلاد من المشاهد البائسة التي تم نشرها بالصوت والصورة ، قامت هيئة الرقابة الإدارية بإجراء عملية تفتيش فني وإداري ومالي شاملة في جهاز مدينة التجمع الخامس وعدة شركات ومؤسسات أخرى متعلقة بالطرق ومحطات الصرف الصحي وغيرها ، وأعدت تقريرا دقيقا عن أسباب ما حدث ، وكشفت تحقيقاتها الجادة عن وقائع فساد في تسليم وتسلم الكثير من الأعمال المتصلة بالصرف الصحي في تلك المنطقة ، فقررت ـ على الفور ـ وقف عدة مسئولين عن العمل وإحالتهم إلى النيابة العامة ، ففتح النائب العام تحقيقا في هذا الملف وطلب من الرقابة الإدارية موافاته بتقرير مفصل عن الواقعة .
تقرير الهيئة الذي نشر ملخص له ، اشتمل على وجود حالة من الإهمال الجسيم من قبل أكثر من جهاز بالدولة بعد أن قدمت هيئة الأرصاد الجوية تحذيرات واضحة لجميع تلك الأجهزة قبلها بعدة أيام ، لكن أحدا لم يتحرك ، كما رصد التقرير وجود أعطال جسيمة وجوهرية بطلمبات المياه ومولدات الكهرباء المتصلة بها وشبكات الحريق ، كما كشف التقرير عن وجود حالات فساد طافح في اجراءات تسليم وتسلم محطات الصرف وأنها مخالفات تشكل جريمة جنائية ، كما أثبت التقرير غياب الحرفية والمهنية في إدارة الأزمة ، وغياب التنسيق بين أجهزة الدولة ، كما كشف عن عدم وجود أي إجراءات تحمي من الحفر بالطريق الدائري وحتى الاوتوستراد .
هذا الجهد الذي قامت به هيئة الرقابة الإدارية هو أهم وأفضل جهد قامت به جهة رسمية حتى الآن في تلك الكارثة ، وهذا هو ما يمكن أن نسميه بالعمل الوطني فعلا ، لأن العمل الوطني ليس أن نتستر على الفساد والإهمال الجسيم بدعوى الحفاظ على صورة النظام وسمعة الدولة ، الوطنية ليست أن نتستر على الفساد ونمد له الحبال ونحمي الفاسدين طالما أنهم من "المطبلين" ، بل هذا هو عين الخيانة الوطنية والإضرار العمدي بمصالح الوطن والإساءة إلى النظام أيضا .
الرقابة الإدارية لم تنشغل بتوظيف "الشماعات" التي انشغلت بها لجان الكترونية يديرها البعض ـ مع الأسف ـ للدفاع عن الحكومة عمال على بطال ، لم تكتف الرقابة الإدارية بالقول بأن هذا الذي حدث يحدث في أي مكان في العالم وأنه طبيعي وأنه لا داعي لتضخيم الأمور ، لم تنشغل بنقل الصور المزيفة عن باريس ولندن وعواصم أوربية كبرى لكي تزعم أن الكارثة التي حلت بالتجمع الخامس هي من جنس الكوارث الطبيعية التي تحل بالآخرين ويتقبلونها ، الرقابة الإدارية حرقت هذه الشماعات كلها ، ومارست دورها الوطني بكل جدية وبإحساس كبير بالمسئولية ، وحققت في الواقعة واكتشفت أنها ناتج عن فساد وعن إهمال وعن وجود كفاءات رديئة لا تستحق أن تكون في مناصبها ، ووجدت أن ما حدث جريمة حقيقية في حق الدولة والوطن والمال العام ، وأن من تورطوا فيها لا يجوز أن يستمروا في مناصبهم ، بل ولا بد من تحويلهم إلى النيابة العامة ليقول القضاء فيهم كلمته .
فالنيابة الإدارية قررت ـ عقب تحقيقاتها ـ على الفور ، وقف عدد من المسئولين عن العمل وإحالتهم للنيابة ، يأتي في مقدمتهم رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة ، ورئيس شركة الصرف الصحي للقاهرة الكبرى ، ولجنة استلام وتسلم محطات الصرف الصحي بالقاهرة الجديدة ، ومدير عام التأمين وسلامة الطرق ، والمشرف على الطريق الدائري التابع للهيئة العامة للطرق والكباري ، وهي كلها إجراءات تعطينا الأمل في الإصلاح ، وترهب الفاسدين ، وترفع معنويات القيادات النظيفة التي تعمل في صمت بدون مزايدات ، وباختصار ، هي إجراءات تقلل من إمكانيات تكرار هذه الوقائع في بلادنا مرة أخرى .
في البلاد المتحضرة ، يفترض أن يكون هناك برلمان وطني يفتح ـ على الفور ـ التحقيق السياسي في تلك الوقائع ويستدعي الوزراء المختصين بهذه المرافق ويخضعهم للمساءلة ويمكن أن يطلب عزلهم أيضا ويمسح بهم البلاط وتنقل وقائع محاكمتهم السياسية على الهواء مباشرة ليتابعها الرأي العام ، ولكن البرلمان عندنا كان مشغولا بأمور أهم ، مثل فرض ضريبة عشرين ألف جنيه على أصحاب عربات الفول في الشوارع التي يأكل منها غالبا البسطاء والغلابة ، ومثل الهجوم على اليونسكو لأنها منحت مصورا صحفيا جائزة دولية وهو محبوس احتياطيا.
كل التحية والتقدير للجهد الوطني المشرف الذي قامت به هيئة الرقابة الإدارية ، ولعلها تكون قدوة للآخرين ، لفهم معنى الوطنية والمسئولية والشرف .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف