ابراهيم عبد المجيد
اهدموا المساجد الأثرية.. بالمرة يعني !
مصر الجديدة
علي طول التاريخ هناك سرقة للآثار المصرية القديمة. ولقد وصلت هذه السرقات معدلات كبيرة مع الحملة الفرنسية علي مصر ثم مع عصر محمد علي وأسرته حين بدأت الكشوفات الكبري تتم علي أيدي باحثين ومستشرقين أجانب كان لهم فضل كبير في الكشف عن أسرار الحضارة الفرعونية. وعرف المصريون قيمة الآثار وبدأوا بدورهم البحث عنها وظهرت عصابات تفعل ذلك تمتد من الذين يبحثون إلي الذين يشترون ويبيعونها في الخارج. أي شملت من يسهل لهم مهمة الخروج بها من مصر. وكل يوم حتي الآن تظهر آثار في مزادات عالمية لا يعرف أحد من كان وراء تهريبها. كل ذلك معروف. لكن ما أريد أن أتحدث فيه هو كيف انتقل الأمر في الخمسين سنة الماضية وحتي الآن إلي اعتبار ما تركته العصور السابقة من منجز ثقافي كبير في البناء شيئا يجب التخلص منه. ما أكثر ما كتبنا عن فلل قديمة هدمت في جميع أنحاء البلاد وعن عمارات علي الطراز الأوربي هدمت أو تم تشويهها من أجل يوم لهدمها والأصل أن كل نظام سياسي يضيف إلي ما قبله لا يهدم ما قبله من تجليات حضارية وثقافية. هذه المباني التي لايزال يتم الاعتداء عليها بنيت في عصر كان الشعار فيه مصر قطعة من أوربا. ومن ثم قامت أحياء مثل مصر الجديدة وشوارع مثل كلوت بك ومحمد علي ومناطق مثل وسط البلد من التحرير إلي شارع كلوت بك كلها علي الطراز الأوربي. وفي الإسكندرية علي الكورنيش وميادين مثل المنشية ومحطة الرمل. وفي بورسعيد وطنطا وغيرها من مدن الدلتا ناهيك عن مدن الجنوب من أسوان إلي الفيوم. ورغم أن مصر كبيرة ونسبة العمران فيها لا تتجاوز ستة بالمائة من مساحتها إلا أنه تحت اسم التطوير تم الهجوم علي هذا كله وبناء عمارات قبيحة أو مولات أكثر قبحا. كل يوم نفاجأ بخبر قاتل سخيف يؤكد الفكرة المتخلفة ألا وهي الاعتداء علي أجمل مظاهر ثقافتنا المادية ألا وهو المباني التي يجب أن تبحث الدولة عن طريقة لتعويض الورثة لها حتي لا يتم بيعها كما يحدث في كل دول أوربا التي لم يُضيِّع مبني واحدا منها غير الحروب. ويبقي السؤال ما الفائدة التي تعود علي الوطن من ذلك ؟ فقط أموال تدخل جيوب من يتواطأون علي ذلك وليس الدولة. للأسف تذكرت كل هذا مما لم أعد أتحدث فيها يأسا كاملا من أي رجاء. تذكرته مع خبر تفكيك منابر خمسة وخمسين مسجدا أثريا والاحتفاظ بها في متحف الحضارة أو أي متحف أو مخازن وزارة الآثار كما قيل أيضا. والمدهش هو ما تردد من أن ذلك قرار من مجلس الوزراء بطلب من وزارة الآثار لحماية هذه التحف التي تتجاوز المنابر أيضا إلي مقاعد المقرئين والثريات والمشكاوات. لقد عُرف الأمر من قبل جريدة الأهرام فذهبت الصحفية حنان حجاج ولم تجد من يقول لها أي كلام مفيد في المسألة غير أن هذا قرار من مجلس الوزراء بسبب تعرض بعض المساجد للسرقة. لقد نشرت الأهرام صورة منبر مسجد أبو بكر مزهر قبل وبعد التفكيك ووالله مشهد يبكي أي محب لهذا الوطن إذا كان قد تبقي له محبون. انتشر الخبر بسرعة وبدأ بعض المسئولين في الآثار يرددون كلاما لا معني له وهو أن القرار لمجلس الوزراء وأن القرار لحماية المساجد من السرقة. ثم في اليوم التالي بدأ نفي الخبر بأنه لا صحة لما أشيع عن ذلك رغم صورة المنبر الذي تم تفكيكه ثم تأتي الإضافة البشعة أن الأمر لن يتم إلا للمساجد التي تتعرض للسرقة. لم يقل أحد من الذي مُناط به أصلا حماية المساجد التاريخية هذه لتتم محاسبته مع أول سرقة حتي لا تتكرر. بل بلغ الأمر غايته من البشاعة بالقول إنه سوف توضع منابر أخري بدلا من الأولي. هكذا يفكون المنابر الأثرية لوضع منابر تافهة لا قيمة لها. طبعا معرفة بالتاريخ الطويل لسرقة الآثار لا أحد يمكن أن يفسر ما جري وسيجري إلا بأن هذه المنابر التي سيتم تفكيكها سوف توضع في المخازن من فضلك مهما قالوا عن المتاحف ثم تختفي وما أسهل خروجها من المطارات أو الحدود. وهكذا تضع الحكومة نفسها في موضع اللص بوضوح حتي لو أقسمت أنها لن تفعل ذلك. ولا أعرف لماذا لم تسأل وزارة الآثار أو الأوقاف أو الحكومة نفسها السؤال الطبيعي. ما قيمة المساجد دون هذه المنابر الأثرية والمشكاوات وغير ذلك من مكوناتها. ستبقي البنية. وعلي رأي الكثيرين علي مواقع التواصل الاجتماعي سيكون ذلك بداية لهدم المساجد ذاتها بعد أن تفقد قيمتها الأثرية وبناء مولات وعمارات. أيها الناس نحن نعرف أن هناك عصابات لسرقة الآثار ونعرف أن علي الدولة حمايتها لكن أن تفتح الدولة الطريق لهذه العصابات علانية كما حدث بحجج لا معني لها فهذه جريمة كبيرة في حق الثقافة والحضارة والتاريخ والأمة إذا كنتم تدركون معناها.