حيوية المجتمع .. وحقوق المتقاعدين
عرفت المواطن الشريف البدري فرغلي منذ ما يزيد علي 20 عاما. والعلاقة بيننا بدأت مع عضوية البدري بمجلس الشعب وكان ذلك في التسعينات. كان البدري أحد الأعضاء القليلين لحزب التجمع الذي كانوا رغم قلة عددهم من أبرز نجوم البرلمان، فأعضاء التجمع كوادر مدربة ومثقفة، ومهما كان عددهم فقد كانوا لامعين قادرين علي كسب الجولات البرلمانية حتي لو جاء التصويت علي عكس ما جري فيما طرحه عضو التجمع. وكان البدري النجم الشعبي حتي مقارنة بنواب التجمع الشعبيين بالفطرة فهو بورسعيدي ابن بلد، لغته من لغتنا وعاداته من عاداتنا وعلي الرغم من ذلك كنت أستمتع بالحوار والمناقشة مع البدري الذي تكتشف خلالهما عمق ثقافته خاصة فيما يرتبط بالبرلمان والأيديولوجية اليسارية أو الشيوعية أو الشعبية وبالنسبة لي لا أهتم بالمسميات.
تسجل مضابط مجلس الشعب مدي الإسهام الغزير للبدري في دوره البرلماني فهو يتقدم بالاستجوابات والأسئلة وطلبات الإحاطة والمناقشة في كل المجالات وكان له حظوة لدي الوزراء والحكومة بشكل عام ويعملون له ألف حساب. وكان للبدري أدوار أخري في شركته البحرية التي يعمل بها فكان منتخبا بمجلس إدارة الشركة عن العمال ورئيسا للجنتها النقابية فكان أسطورة الشركة والقادر علي مساعدتها في تحقيق خططها من خلال دفع الحكومة لتقديم التسهيلات لها كما كان من القلائل الذين يحسمون معاركهم الانتخابية من الجولة الأولي باكتساح. بل إن برلمانيين بارزين كانوا يستعينون بالبدري بعد فوزه في الجولة الأولي لكي يساعدهم في انتخاب الإعادة بدوائرهم. كان البدري نجما يحيي المؤتمرات الانتخابية من شمال مصر لجنوبها.
بعدما انتهت عضوية البدري في مجلس الشعب ولظروف خاصة به لم يرشح نفسه مرة أخري لكنه تولي قيادة اتحاد المتقاعدين أو المحالين للمعاش وعلي رأس هذا الكيان الكبير الذي يمتد في كل مكان في مصر خاض البدري ويخوض نضالا من أجل الحفاظ علي حقوق بسطاء الناس في مصر الذين لا تتجاوز قيمة معاشهم في حده الأقصي 2000 جنيه، وجاء إدراك البدري لأبعاد قضية أصحاب المعاشات مواكبا لأزمات يمر بها هؤلاء البسطاء حيث استولت الحكومة بطريقة أو أخري علي أموال صناديق المعاشات وكأنها تبحث في دفاتر غيرها القديمة والحديثة ولكن وجود البدري علي رأس المتقاعدين يقلل من الخطر الذي يحيق بهم ويحد من التغول الحكومي الذي وصل مؤخرا إلي الطعن علي حكم زيادة المعاشات بينما زادت معاشات الوزراء.
إن مقاومة المتقاعدين سياسات الحكومة تجاه مصالحهم وهي سياسة سلبية أمر ينبهنا إلي ثقافة المقاومة التي صار يفتقدها مجتمعنا وعاد وميضها مع وجود البدري فرغلي. عن المقاومة كثقافة في المجتمعات أمر طبيعي يؤكد وجود نبض وحيوية في المجتمع فالمقاومة رد فعل مشروع علي رد فعل غير مقبول مستمر بأوجه متعددة، طالما لم يتم تصحيح الواقع. والمقاومة هي ردة فعل واعية تبادر إليها قوي مجتمعية علي واقع غير مألوف ومرفوض في الوقت ذاته من فئات مجتمعية. ومدي نجاح المقاومة وقدرتها علي التغيير يرتبط بدرجة احتضان المجتمع لها وتقبله لاستيعاب أهدافها لاستمرارها حتي يتغير الواقع المرفوض.
إن وجود صراع بين الحكومة والمتقاعدين الذين يرون أن معاشاتهم لا تلبي بأي قدر حاجاتهم المعيشية خاصة في ظل ارتفاع الأسعار الكبير والتي لا تتناسب والحياة الكريمة إنما يعني وجود مشكلة يجب حلها، ويؤكد وجود البدري وتحركه أن من المصريين من لايزال إيجابيا كمواطن يسعي للحفاظ علي حقوقه المشروعة والتي لا تضر بمصالح الدولة. كما أن علي الحكومة ألا » تركب دماغها » في مسألة تهم ملايين المواطنين الذين أدوا دورهم في دفع مجتمعهم إلي الأمام، كما أنهم يتحدثون عن أموال هم سددوا أقساطها مقدما وهي بمثابة أمانة لدي الحكومة، كما أن علي الحكومة ألا تلفظ مطالب المتقاعدين أو تستضعف حيلتهم، فعلي بن أبي طالب يقول : » لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السالكين فيه ».
تحية للبدري فرغلي نموذج النائب الحقيقي للشعب.