محمد جبريل
محمد رسول الله والذين معه "5"
خرج إبراهيم من داره ذات يوم. وكانت الشوارع المؤدية إلي المعبد خالية من الناس. واصل سيره حتي بلغ الساحة الخارجية. اتجه إلي حيث تماثيل الآلهة. وأمامها الأطعمة من خراف ونعاج وثيران ودجاج وبيض وفاكهة كثيرة. ونظر إلي تماثيل الآلهة المنحوتة من الصخر. وضعت علي عروشهم الإلهية أرغفة الخبز. وأمامهم أطعمة وأشربة كثيرة.
وعلا صوت إبراهيم بنبرة غاضبة: ألا تأكلون؟ ما لكم لا تنطقون؟!
وتناول فأساً. ضرب بها الآلهة حتي صارت قطعاً صغيرة ونثارات. ثم علق الفأس في إحدي أذني مردوخ الكبيرتين اللتين ترمزان إلي الحكمة. وغادر المعبد. وفي يقينه أنه فعل ما كان يجب أن يفعله منذ وقت طويل.
عرف الناس ما صنعه إبراهيم. استعادوا السؤال الذي كان يردده: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟
اقتادوه إلي المعبد ليواجه المحاكمة. وليجيب عن السؤال: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟
أشار إبراهيم إلي مردوخ. وقال: بل فعله هذا. فاسألوهم إن كانوا ينطقون.
وتشاور القضاة. لقد كفر إبراهيم بآلهة آبائه. وسخر منهم. وزاد فتطاول علي النمرود الملك الإله. وصدر القضاة حكمهم بإحراقه.
وشيد البناءون بنياناً ضخماً. لتوقد فيه النيران. وقدم الناس من كل مكان يحملون الحطب نذراً للإلهة. وأشعلت النيران. وجعلت المكان جحيماً تصل تأثيرات نيرانه إلي الأماكن البعيدة.
جيء بإبراهيم من سجنه. فتعالت الهتافات المتوعدة. ورفع إبراهيم رأسه إلي السماء. وقال: اللهم أنت الواحد في السماء والأرض. ليس في الأرض أحد يعبدك غيري. لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين. لك الحمد ولك الملك. لا شريك لك.
وضع إبراهيم في المنجنيق. وأطلق في الهواء. فوقع في الجحيم. واختلطت صيحات الفرح من أبناء المدينة. بينما تعالت أنات الأسي من قلوب أسرته وآله. وصاح الرجل - بعد أن سكتت النيران - رأيت إبراهيم حياً في النار.
لم تحرق النيران إلا وثاق إبراهيم. وقال النمرود مستغرباً:
- ما أعظم ربك يا إبراهيم؟ كيف خرجت سالماً من هذا الجحيم؟
تقاصرت نفس الملك الإله الذي يخر الناس تحت قدميه. بعد أن هبت عليه ريح خوف. فهذا الخارج من النار عليه مهابة وجلال وإشراق تعنو له الجباه.
قال إبراهيم:
- أوحي إلي ربي أنه قال: يا نار كوني برداً وسلاماً علي إبراهيم. فكانت كما أمرها ربي.
واتهمه الكهان بالسحر. بينما قال النمرود في ثقة:
- نعم الرب ربك يا إبراهيم. إني ذابح له أربعة آلاف بقرة.
- إذن لا يقبل الله منك ما دمت علي شيء من دينك هذا حتي تفارقه إلي ديني.
- يا إبراهيم لا أستطيع ترك ملكي. لكني سوف أذبح البقرات له.
نسي الناس وقوفهم في حضرة النمرود. واتجهوا نحو إبراهيم ليفتكوا به. لكن النمرود هتف: اتركوه.
وكفر الناس بآية الله. اعرضوا عنها. وقالوا إن إبراهيم ما خرج من النار إلا بسحره المبين.
أما سارة ابنة أخيه. فقد أعلنت إيمانها برب إبراهيم. وصارت تقضي نهارها وليلها في المحراب. تدعو ربها بصوتها الرحيم. حتي خشي الجيران أن تفتن ابناءهم. وآمن له لوط علي الرغم من أن أباه مات في سبيل إعلاء كلمة آلهته. وآمن المستضعفون من الناس - سراً - بما جاء به إبراهيم.
سري إبراهيم في ملكوت الله سريان الروح القوية المؤمنة. وتألقت سارة في جمالها الذي يبهر العيون. واستمد لوط من القوة التي أمده بها الله. بعد أن أسلم له وجهه. ثم استشعر العبيد من العزة والحرية بما لم ينعم به الأحرار. فلم يعد رجاؤهم مشدوداً علي الأرض. بل ارتفع وسما إلي ما فوق السموات.
للكلام بقية