د. محمود خليل
منشور سياسى على ورقة مالية
الشعوب لا تتوقف عن الإبداع فى مواجهة حكامها الطغاة. آخر الإبداعات كانت من نصيب الشعب الإيرانى الذى بادر الآلاف منه إلى تنظيم حملة على موقع «تويتر» ينشرون من خلالها شعارات ومطالب حقوقية مكتوبة على الأوراق النقدية. من قبل ظهرت حملة شبيهة فى تونس، خلال فترة حكم حركة النهضة، إذ انتشرت عملات نقدية تونسية مكتوب عليها شعارات وعبارات مناهضة للحركة، لكن الإيرانيين أعطوا الفكرة ثراء أكبر عبر استثمار مواقع التواصل الاجتماعى فيها.
استخدام العملة النقدية كمنشورات سياسية أمر لا يخلو من دلالة. فثمة دلالة اقتصادية تحملها الأوراق النقدية على الأوضاع المعيشية التى تعانى منها الشعوب. ومن المؤكد أن الشعب الإيرانى يعانى اقتصادياً بسبب المغامرات العسكرية التى يقوم بها حكام طهران فى المنطقة، سواء داخل سوريا أو العراق أو اليمن. فالانخراط فى الصراعات العسكرية أمر له كلفته. وعمّق من أزمة الشارع الإيرانى العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها دول الغرب على طهران بسبب برنامجها النووى. ومع التصريحات المتكررة التى تخرج عن البيت الأبيض والمتعلقة باحتمال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووى تتعقد المشكلة الدولية التى تواجهها إيران أكثر وأكثر، وهو الأمر الذى سيكون له صداه على الأوضاع الداخلية بالدولة.
آلاف الإيرانيين الذين وظفوا الأوراق النقدية كمنشورات سياسية، ووضعوها على موقع «تويتر» حتى يمنحوا الفكرة زخماً جماهيرياً أكبر أرادوا التعبير عن عدم رضائهم عن السياسات التى يسلكها النظام والتى تسببت فى تورط الدولة فى العديد من المستنقعات الإقليمية، بالإضافة إلى مشكلة برنامجها النووى. ومن المرجح أن ملايين الإيرانيين لديهم نفس التوجه. فالكل هناك يشعر أن النظام السياسى يقرر ما يريد وقتما يريد، دون أى نوع من المشاركة من جانب الشعب، شأنه فى ذلك شأن العديد من الأنظمة المستبدة التى لا يقيم صانع القرار فيها أى وزن للشعب، ولا للثمن الذى يدفعه الشعب نتيجة مغامراته وقراراته غير المحسوبة ولا المدروسة.
لقد سبق وشهدت إيران مظاهرات عارمة عام 2009 عقب الانتخابات الرئاسية التى فاز فيها محمود أحمدى نجاد، قمعها النظام بشدة، ولم يتعلم منها شيئاً. وقبل أشهر من الآن وتحديداً فى يناير 2018 شهدت عدة مدن إيرانية مظاهرات كبرى، هتف المتظاهرون فى بدايتها ضد الغلاء والتدهور الاقتصادى والفساد الحكومى والسياسات الاقتصادية الفاشلة للرئيس روحانى، ثم تطورت فى اتجاه أكثر خطورة ضد القيادة الدينية للبلاد وردد المتظاهرون شعارات ضد المرشد الأعلى للثورة على خامنئى.
كان من الممكن أن يتحمل الشعب الإيرانى التبعات والتوابع الاقتصادية للقرارات والتوجهات التى يتبناها قادته لو كان شريكاً حقيقياً فى صناعة القرار. أما وأن القرارات تتخذ بشكل فردى فمن الطبيعى أن تتأفف الشعوب وأن تعبر عن عدم قدرتها على التحمل، خصوصاً أن الشعوب فى الأنظمة المستبدة تتحمل وحدها فاتورة القرارات الخاطئة والمغامرات غير المحسوبة، فى حين يعيش الكبار مكرمين منعمين، طيلة فترة وجودهم فى السلطة وحتى بعد خروجهم منها.