وقف الجراح الكبير كالطاووس مع تلاميذه، يحيطون بسرير مريضة، وهو يحدثهم: هذه الحالة تعانى مرض السكرى، وقد نضطر لبتر الساق المصابة، تملك المريضة الرعب وحياتها رهن طبيب سيقطع جزءا من جسدها دون أن ينظر إليها وكأنها نكرة، تجاسر أحد الطلاب وسأله: ما اسم المريضة؟ تلعثم الطبيب! أراد الطالب لفت نظره إلى أن المريضة ليست مجرد رقم سرير، هى إنسانة أوجعها جفاء الطبيب أكثر من وجيعة المرض نفسه، حاول الطالب التخفيف عنها بدعابة وابتسامة ونجح، فتسلل إلى غرف المرضى يتواصل معهم ويداعبهم ويضحكهم، وكانت لطريقته آثار إيجابية لدى الأطفال مرضى السرطان، جعلهم يمرحون ويعيشون طفولتهم التى سلبها المرض، لم يرض الطبيب المتعجرف محاولات الطالب بث البهجة فى نفوس المرضى، وحوله للتحقيق بتهمة «الإفراط فى السعادة»! الطالب يدعى باتش آدامز، أصبح أشهر طبيب بأمريكا بسبعينيات القرن الماضى ومازال يمارس عمله بنفس التواصل الإنسانى والبهجة، وتحولت حياته لفيلم سينمائى جسد دوره فيه روبن ويليامز.
نماذج كثيرة من «الطبيب المتعجرف» تنتشر بمستشفياتنا، يتعاملون بصلف وجفاء وغلظة مع مرضاهم، فى وقت تشهد مهنة الطب تراجعا كبيرا وتزايد الأخطاء القاتلة وتتصاعد المأساة بتحويل المرضى لحقل تجارب شركات الأدوية وفقا لوثائق أحد نواب البرلمان، ولايوجد من يحاسب تلك المافيا! وضاع قسم أبقراط الذى يحث على صون حياة الإنسان، وضاعت الإنسانيات بمناهج الطب. كان أبو الطب «ابن سينا» محقا عندما حرص على دراسة الموسيقى، لتترقرق المشاعر، ليست مهمة الطبيب منع الموت إنما تخفيف أوجاع الجسد والنفس ليجعل الحياة أفضل.