صلاح عطية
كانوا يعرفون أنها مصرية..!!
في المقال السابق ــ في الأسبوع الماضي ــ وفي مناسبة الاحتفال بعودة سيناء وعيد تحريرها في 25 أبريل. أشرت إلي تحرير طابا بالتحكيم.. وذكرت كيف عرفت بأزمة طابا قبل إعلان إسرائيل عن نيتها في عدم الانسحاب منها.
اليوم وقبل أن أتناول جوانب أخري حول هذا الموضوع. أود أن أوجز ما قلته في هذا الشأن.. حيث ذكرت أن الصدفة أتاحت لي أن أعرف عن هذه المشكلة قبل أن تُثار.. وذلك من خلال مشاركتي في مؤتمر سياحي في أمريكا في نهاية أكتوبر 1981.. حيث اقترب مني صحفي أمريكي كنت قد تعرَّفت عليه في مؤتمرات سابقة واستأذنني في أن يقدم إليّ شخصية سوف يكون وراءها بعض المشاكل لمصر.. هكذا قال.. مما أثار فضولي وشغفي بمعرفة من هذا الذي سيسبب المشاكل لمصر.. وما هي هذه المشاكل.. وانتقلت معه إلي حيث يجلس الرجل الذي اتضح أنه يتكلم العربية.. وعرفت منه أنه يهودي مصري هاجر من الإسكندرية في عام 1959.. واستقر به المقام في إسرائيل.. أما المشكلة فكانت.. أنه بني فندقه "سونستا" علي أرض كان يعرف أنها مصرية.. كما قال لي.. ولكن بيجين طلب إليه أن يبني الفندق عليها لأن إسرائيل ستضم هذه الأرض إلي إيلات لتوسيع شاطئها.. وعاد ليؤكد لي مرة أخري أنه ناقش بيجين "رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت".. واقترح أن يختار موقعاً آخر للفندق.. ولكن بيجين طمأنه وأكد له أن إسرائيل لن تنسحب من هذه المنطقة.. وطلب إليه أن يبني الفندق بسرعة.. وهكذا شرع "بابا شارو".. هكذا كان اسمه.. في بناء "سونستا".. وهو مطمئن إلي ما قاله له بيجين.
وواضح إذن أن الإسرائيليين كانوا يعرفون أن هذه الأرض ــ طابا ــ هي جزء من الأرض المصرية. التي كان عليهم الانسحاب منها.. ومع ذلك تعمَّدوا أن يقيموا عليها مشروعاً فندقياً كبيراً.. لأنهم انتووا أن يحتفظوا بهذه القطعة من أرض سيناء لتكون امتداداً لشواطيء إيلات الضيقة.. ولذلك عندما تقارن بين طريقة بناء هذا الفندق.. المبني كدشمة مسلحة وبزوايا ميل معينة تناسب تأمينه.. كفندق علي الحدود.. وباقي المنشآت الفندقية التي بنوها في جنوب سيناء خاصة في شرم الشيخ.. والتي كانت من الخشب الحبيبي والبلاستيك في معظمها.. ندرك أنهم كانوا يعرفون أنهم سينسحبون.. مهما مكثوا فيها.. أما طابا.. فقد بنوا بناء ثابتاً.. لأن النية كانت مبيَّتة علي أخذها.. وعندما التقيت بالصدفة بصاحب الفندق في المؤتمر السياحي في أمريكا.. قلت له بعد أن روي لي القصة.. هذه أرضنا.. وسنستعيدها بما عليها بإذن الله.. فرد: لا.. إن حدث ذلك فسوف أطُقّهُ.. أي أنسفه.. ولكن عندما حان وقت الانسحاب.. بعد حكم التحكيم لصالح مصر.. لم ينسف الفندق.. ولا فكر في ذلك.. إنما دخل الفندق ضمن مفاوضات شراء المنشآت السياحية التي أقامتها إسرائيل في جنوب سيناء.. وقد شكلت مصر شركتين سياحيتين لشراء وإدارة هذه المنشآت إحداها "سيناء للفنادق ونوادي الغوص" وتبعتها المنشآت التي أقيمت في شرم الشيخ ودهب ونويبع.. والثانية هي "طابا للتنمية السياحية" وهي التي تبعها فندق سونستا.. الذي أصبح فيما بعد هيلتون.. وقد رأس هذه الشركة المهندس محمد فهيم ريان رحمه الله.. وشاء القدر أن تنتهي حياته بحادث التفجير الإرهابي الذي تعرض له هذا الفندق وأصيب فيه ريان إصابات خطيرة توفي علي أثرها.. وقد تولي التفاوض علي شراء الفندق وقد كان يرأسه فؤاد سلطان وزير السياحة في ذلك الوقت.. وظل التفاوض والمساومات علي تقدير سعر فندق سونستا حتي اللحظات الأخيرة من يوم الانسحاب الإسرائيلي من طابا والذي تم يوم 15 مارس 1989. بسبب المبالغة الشديدة في قيمة الفندق.. من مالكه بابا شارو.. الذي كان يقول إنه سينسفه إن أخذه المصريون..!! ولم يفعل طبعاً.. وإنما استمات في ابتزاز مصر بالحصول علي أكبر قدر ممكن من المال ثمناً للفندق.. وقبل الانسحاب مباشرة من طابا..!!
نخلُص من هذا إلي أن إسرائيل كانت تعرف أن أرض طابا هي جزء من الأرض المصرية.. وذهبت إلي التحكيم وهي تعرف ذلك.. ولكنها استماتت كذلك في التمسك بها وفي آخر لحظة في التحكيم. وعندما صدر قرار التحكيم بأحقية مصر في أرض طابا.. اعترف أحد أعضاء وفد إسرائيل في لجنة التحكيم أنهم كانوا يعرفون أن الأرض لمصر.. ولكنهم كانوا يأملون أن تفشل مصر في إثبات حقها فيها.. وقد قرأت في هذا الشأن كلمات للوزير مفيد شهاب عما حدث بعد إعلان حكم هيئة التحكيم بتبعية طابا لمصر. حيث سمع المستشار القانوني للوفد الإسرائيلي. روزن شباتاي. يقول: "إحنا عارفين يا مصريين أن طابا مصرية. ولكننا دخلنا في التحكيم لأننا اعتقدنا أنكم ستفشلون في الدفاع عن حقكم.." وهذه هي إسرائيل المراوغة والكاذبة.. والمغتصبة للحقوق.