ماجد حبته
دجل الشعراوي وعمرو خالد!
امسك أعصابك، وخذ نفسًا عميقًا، وابتعد عن أي حائط، حتى لا تخبط دماغك فيه. ولا مانع من تناول أي مهدئ قبل أن تدخل برجلك الشمال إلى السطور التالية. وحتى لا تسيء الظن بي، وأنت تقرأها، أو تعتقد أنني واقع تحت تأثير مخدر قوي، أشير إلى أنني أنقلها بنصها من كتاب تم (ويتم) تدريسه لطلاب إحدى كليات التربية بواحدة من الجامعات المصرية!.
«مع حرب أكتوبر والثورة النفطية التي نتجت عنها، تأكدت السيطرة السعودية على المنطقة وتأكد معها سيطرة تيار الإسلام السياسي السعودي الوهابي وجماعة الإخوان المسلمين التي ظلت ترعاها بقوة حتى غزو العراق للكويت سنة ١٩٩٠، حين بدأت السعودية في خلق أذرع بديلة في العالم العربي، بعد أن خذلها الإخوان بانحيازهم لصدام حسين في حربه ضد الأمريكيين. ورغم أن نجاح الثورة الإسلامية في إيران سنة ١٩٧٩ وهي بلد نفطي آخر قد أعطى قوة دفع كبيرة لتيار الإسلام السياسي، فقد ظلت السعودية هي مفتاح السر، فقد كان نفوذ إيران الشيعية ضعيفًا في المنطقة العربية وكانت السعودية وليست إيران هي التي قدمت التسهيلات والمال والسلاح إلى الشباب العربي، الذي ذهب للجهاد ضد الروس في أفغانستان بعد غزوهم سنة ١٩٧٩، حيث تزاوج الوهابيون بالإخوان في حياتها الموحشة وأنجبا شيطان القاعدة الذي جاء من نسله كل التنظيمات الإرهابية التي تنشر الموت والدمار في المنطقة اليوم وبدأ تأثيرها المدمر يصل حتى إلى راعيها الأساسي، المملكة العربية السعودية نفسها!.
لم يكن في مقدور حسني مبارك الذي خلف أنور السادات أن يغير من هذه الحقائق الجديدة على الأرض، هذا على فرض أنه كان مدركًا لها بكل تعقيداتها الحضارية فرغم أنه قد بدأ عصره بداية طيبة، واستطاع تهدئة الموقف داخل مصر بعد اغتيال أنور السادات، كما استطاع الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل في نفس الوقت الذي أعاد فيه العلاقات الطبيعية مع العالم العربي، الذي كان قد ناصب مصر العداء بسبب السلام مع إسرائيل، واستطاع إعادة مقر الجامعة العربية إلى مصر مستغلًا ظروف الحروب الخليجية، إلا أنه في معركته مع تيار الإسلام السياسي المتصاعدة ومع الهيمنة السعودية على مقدرات المنطقة، لم يكن يملك سوى البندقية. لا مشروع حضاري ناصري، ولا حتى مناورات سياسية ساداتية، بل فقط البندقية، وعلى العكس من المرجو تمامًا، فقد شهد عهده أكبر حركة نزوح للمصريين إلى المملكة العربية السعودية بسبب تناقص فرص العمل بعد التدمير العشوائي للقطاع العام، أكبر منجزات العصر الناصري وأكبر قاعدة اقتصادية في مصر بدلًا من تحديثه أو توفير استثمارات رأسمالية بديلة، أولًا ليعودوا بلحية وجلباب وأفكار متخلفة معادية للحضارة والإنسانية.
كما شهد عهده أيضًا ظهور أكبر دجالين في تاريخ مصر الحديث، وهما الشيخ متولي الشعراوي والداعية عمرو خالد، اللذان عملا بكل قوة عن قصد أو بغير قصد في تغذية روح الهوس الديني لدى الشعب المصري، وتدعيم تيار الإسلام السياسي، وهكذا سيطر الإسلام السياسي وامتد حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي سنة ١٩٩٠، وتحول كثير من دول العالم إلى الديمقراطية، فقد ظلت مصر بعيدة كل البعد عن كل تلك المؤثرات الدولية، بحكم تيار الإسلام السياسي أنيابه عليها كالثعبان القاتل، ورغم الإجراءات القمعية الشديدة التي اتخذها حسني مبارك ضد جماعات العنف الإسلامية بداية التسعينيات، فقد شهدت مدينة الأقصر سنة ١٩٩٧ مذبحة كبرى لمجموعة كبيرة من السواح..... إلخ».
الفقرات الثلاث السابقة، هي صفحة واحدة، صفحة ٤٣، من كتاب عنوانه «دراسات في تاريخ العرب المعاصر» يقول غلافه إنه من إعداد «أ.د عبداللطيف الصباغ، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، كلية الآداب، جامعة بنها». و«د.أحمد محمود رشوان، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر، بجامعة دمنهور». والكتاب مقرر على طلاب الفرقة الثالثة في كلية التربية جامعة دمنهور. وعلى كثرة الهراء (ولا أقول الهبل) الذي تضمنته الصفحة، وعلى كثرة ما تضمنه الكتاب إجمالًا، فإن ما استوقف جامعة دمنهور، فقط، برئيسها وعمداء كلياتها وكل العاملين فيها، هو تلك العبارة التي تضمنت إساءة إلى الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكان غريبًا أن يتم تجاهل «عمرو خالد» الذي طالته الإساءة نفسها، في العبارة نفسها!.
جامعة دمنهور أصدرت بيانًا، أمس، استنكر فيه الدكتور عبيد صالح، رئيس الجامعة والنواب والعمداء وكل العاملين فيها، أي تطاول في حق الشيخ محمد متولي الشعراوي «لما يمثله من قيمة كبيرة ليس لدى المصريين فقط وإنما عند كل المسلمين في كل مكان في العالم». وجاء في البيان أن رئيس الجامعة، فور علمه بأمر الكتاب، طلب من عميد كلية التربية عقد مجلس القسم ومجلس الكلية في اجتماعات طارئة لبحث الأمر، ووجه بإحالته للتحقيق. ومن المفترض أن يكون التحقيق مع المذكور قد بدأ، الأربعاء، وقت نشر هذه السطور!.
هنا، تكون الإشارة مهمة إلى أن الفصل الدراسي الثاني بالجامعات، بدأ في ٣ فبراير الماضي، وستنتهي في ٢٤ مايو الجاري، بما يعني أن رئيس الجامعة ونوابه وعمداء الكليات وكل العاملين والطلاب قبلهم، لم يلتفتوا إلى الكتاب (ولاحظ أننا نتحدث عن الصفحة رقم ٤٣) إلا قبل انتهاء الفصل الدراسي بثلاثة أسابيع. هذا لو افترضنا أن تلك هي السنة الأولى التي يتم فيها تدريس هذا الكتاب. ولأن مساحة المقال نفدت، سنكمل غدًا.