يا مطرة رخى رخى على قرعة بنت أختى، واحنا صغار كانت الأمطار تسقط فى قريتنا صيفاً، فى عز الظهر، والشمس نار ملهلبة، وفجأة يشتعل الرعد والبرق، وكأن معركة حربية تدور بين الكواكب، ونحن نتابعها من تحت من على كوكب الأرض، الأمطار كانت تنزل على الرؤوس، ونحن نلعب بالطقوشة التى تنزل من السماء، وهى جمع طقش أى قطع ثلج تصيب رؤوسنا أحيانا ونتفاداها أحيانًا أخرى، نجرى، ونلهو، ونصرخ من شدة خوفنا من صوت البرق الذى كان يشبه صوت المدافع.
ووسط هذا الجو المرعب الذى تجسده ثورة الطبيعة، تدور الأحاديث، فالبعض يعتقد أن ما يحدث هو مقدمة ليوم القيامة، والبعض يقول إن القمرة اتخنقت مش هتطلع تانى، ومن كثرة الأحاديث المرعبة ننكمش فى الجلاليب المبلولة بمياه الأمطار، صبيان، وبنات، وتغيب الشمس وتظل القمرة مخنوقة، ونشاهدها من بعيد تظهر على استحياء، مستخبية وسط السحب الجامدة، السماء تكتسى بألوان مختلفة غير التى اعتدنا عليها ونهرع إلى البيوت، نحضر الصفايح الفارغة، والعصيان الغليظة، ونظل نطرق الصفايح بالعصيان ونتوسل إلى الله أن يجلى القمرة، وتنور كعادتها لنتخلص من رعب نهاية العالم الذى كان يسيطر علينا، ننشد جميعًا يارب اجليها.. اجليها احنا عبيدك تحتيها، يا رب أطلَّع وشوف شىء قطاطى، وشىء بعروش، والقطاطى هم الأطفال الرضع، وأصحاب العروش هم كبار السن ونستمر فى النقر على الصفايح، ونحن نجوب البلدة من شرقها إلى غربها، وندعو بحماس شديد غير مصدقين أن القمرة خلاص مش راجعة تانى، وهذا يعنى أن القيامة ستقوم، ويعدى الليل، ونتعب، ونعود إلى منازلنا، وننام منهكين من شدة الإرهاق ونصحى فى الصباح على إشراقة الشمس، ونكتشف أن الحياة مستمرة، ونحمد الله، ونخرج إلى الشارع، ونرى آثار الأمطار على الأرض الترابية، ويعدى اليوم، ونستقبل ليلاً جديداً تظهر فيه القمرة فى كامل بهائها، بعد أن تكون الشمس قد استأذنت فى الغروب، ونجلس فى الشارع تحت ضوء القمر، حيث لا كهرباء، ولا مصابيح، ولا حتى لمبة جاز، نجلس نحكى حواديت مرعبة، لم نكن قد شاهدنا أفلام الأكشن، ولا الرعب، التليفزيون فى هذه الفترة لم يكن قد دخل القرية، وتأخذنا الأحلام ونعاتب القمرة، على غيابها أمس، ونقول لها يا قمرة فى العلالى، قربى منى تعالى، وفى الصباح نغنى للشمس، ومع تبديل الأسنان الطفولية، لتحل محلها أسنان الشباب الدائمة، تمسك فتاة بسنتها اللى انكرست وتلقيها بأقصى قوتها فى عنان السماء، وهى تدعو يا شمس يا شموسة خدى سنة الجاموسة، وهاتى سنة العروسة، ويأتى قمر آخر وتشرق شمس جديدة. ونحن نستقبلهما بحب، ولكن بحذر لأننا كنا نخاف من عودة منظر البرق والرعد، ومعركة الكواكب التى كانت نتيجتها نزول طقوشة الثلج فوق الرؤوس.