المصريون
احمد السيد على ابراهيم
وقفات شرعية مع ظاهرة الزواج العرفى
لحمد لله حمدا لا ينفد ، أفضل ما ينبغى أن يحمد ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تعبد ، أما بعد ،،
فإن عقد الزواج من أقدس العقود التي شرعها الله سبحانه وتعالى ، فهو عقدٌ متعلّقٌ بشكلٍ مباشرٍ بحرمة الفروج وإستحلالها ، فبه يتحول حكم المتعاقدين من الحرمة إلى الحل فور إتمامه ، ويعود الحال إلى الحرمة ، فور إنقضائه ، لذلك فقد عني الإسلام به عنايةً خاصّة ، وأولاه أهميّة بالغة ، ووصفه الله في بالميثاق الغليظ ، فقال تعالى : { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى? بَعْضُكُمْ إِلَى? بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا } ( النساء : 20 – 21 ) ولكل ذلك راعى الإسلام كل ما يضمن إستمراريّة هذا العقد ، وتكفّل بحفظ من حفظ تلك الرابطة وأعطاها حقّها ، وقد شرع الإسلام منظومةً متكاملة من القوانين والأحكام لضمان ذلك ، إلا أنه ومع بعد كثير من الناس عن تعاليم الإسلام ، وإنغماسهم فى لذات الدنيا ومتاعها بغير رقيب ولا وازع من دين ، تفشت ظاهرة الزواج العرفي الموافقة للشرع - والمترتب عليها أضرار بالزوجين وأولادهما - والمخالفة للشرع - وتعد من الزنا - ولنا مع هذه الظاهرة الوقفات التالية :

الوقفة الأولى : سبب الكتابة فى هذا الموضوع :-
يرجع سبب الكتابة فى هذا الموضوع إلى الإحصائيات والدراسات المفزعة التى أجرتها المؤسسات الرسمية عن هذه الظاهرة ، ومنها :

1- ما جاء بجريدة المصريون بتاريخ 29 / 12 / 2007 تحت عنوان " تحذير لكل أسرة الزواج العرفى يحاصر شباب الجامعات " من أن : { أظهرت دراسة يستعد المركز القومي للبحوث الجنائية عن الزواج العرفي لإصدارها أن 80 % من المتزوجين عرفيًا من الفئة العمرية التي تتراوح أعمارها ما بين الثامنة عشر والخامسة والعشرين ، بما يعني أن أكثر من ثلاثة أرباع حالات الزواج لطلاب في مرحلة التعليم الثانوي والجامعي .


وبلغت نسبة حالات الزواج العرفي بين طلاب المرحلة الثانوية وحدها 7% ، فيما بلغت نسبة الحمل من هذه الزيجات 4.5 % ، وفق مصدر شارك في إعداد الدراسة .


وفي المستوى الجامعي كان لجامعة القاهرة نصيب الأسد ، حيث شهد العام الدراسي الماضي خمسة آلاف حالة زواج عرفي ، تليها جامعة عين شمس أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة حالة ، ثم جامعة حلوان ألفي حالة ، بينما وصلت النسبة في جامعة الإسكندرية إلى ألف وخمسمائة حالة ، عدا عدد الجامعات الخاصة التي شهدت أكثر من 15 ألف حالة زواج . وأوضحت أن نسبة المتزوجين عرفيا في المدارس والجامعات وصلت العام الدراسي 2006 - 2007 إلى 22 % ، أي ما يقارب 350 ألف حالة زواج عرفي بين الطلبة والطالبات .


وأكد الدكتور محمد فتحي مرعي الباحث في علم الإجتماع أن الزواج العرفي بين الطلاب أصبح ظاهرة مخيفة ، ولابد الوقوف أمامها لمعالجتها إجتماعيًا ، وحمل فتاوى الفضائيات التي تجيز هذا النوع من الزواج المسئولية عن إنتشار هذه الظاهرة . وقال إن الطلبة الذين لا يتمتعون برعاية إجتماعية كاملة من البيت يأخذون هذه الفتوى من الجانب الجنسي وليس بالمفهوم الحقيقي لمعنى الزواج ، الذي من أهم شروطه الإشهار ، وتحقيق السكن والمودة . كما وجه أصابع الإتهام إلى الكليبات الغنائية العارية التي تثير الغرائز الجنسية للمراهقين ، وأرجع السبب أيضًا إلى المدارس الثانوية المختلطة التي وصفها بأنها حديقة ومتنزه للزواج العرفي .





وأوضح الدكتور مرعي وفقا لدراسة أعدها أن نسبة 99 % من الفتيات اللاتي تزوجن عرفيا خرجن نادمين من هذه التجربة ، والتأكيد على وقوعهن في فخ النزوة . ويتضمن هذا النوع من الزواج شروطًا لا تتوافق مع القواعد الصحيحة للزواج ، يسعى من خلالها الطرفان إلى تأمين نفسه في حال كشف المستور . يذكر أن هناك أكثر من 21 ألف قضية إثبات نسب تتداولها المحاكم ، وهذه الدعاوى مرفوعة من سيدات تزوجن عرفيًا ولم يكن لديهن ما يثبت زواجهن بعد أن تم التخلص من ورقة هذا الزواج العرفي من جانب الزوج . } ا.هـ .


2- ما جاء بجريدة الأهرام بتاريخ 2 / 2 / 2017 تحت عنوان " « الزواج العرفى » .. بدايته ورقة ونهايته كارثة ! " { إحصائية رسمية صادرة عن وزارة التضامن الاجتماعى تؤكد أن هناك 255 ألف حالة زواج عرفى بين شباب الجامعات ، أى بنسبة 18% من الطلبة البالغ عددهم 5 ملايين طالب ترتفع النسبة الى 40% فى الجامعات الخاصة .. ورفعت دراسة أخرى بجامعة عين شمس الرقم الى 400 ألف حالة زواج عرفى وأكّدت أن طلاب الكليات العملية أقل إقبالاً على الزواج العرفى من طلاب الكليات الأدبية مؤكدة أن الفراغ هو السبب الأساسى لمشكلة الزواج العرفي .. لكن يا ترى هل هذا سبب كاف لتبرير الظاهرة ؟! } ا.هـ.


دراسة مشتركة بين المجلس القومى للسكان والجامعة الأمريكية عن وجود 400 ألف حالة زواج عرفى بين الشباب ، معظم من شملتهم الدراسة إعترفوا أنهم يعلمون أنه زواج بلا مستقبل أو أى ضمانات إجتماعية أو قانونية ، وأنه فى أحيان كثيرة يكون مجرد غطاء شرعى لإقامة علاقة بين طرفى العقد حتى يحللا هذه العلاقة .. وحملت الدراسة وسائل الإعلام المرئى مسئولية كبيرة لإقبال الشباب على الزواج العرفى وذلك من خلال المسلسلات والأفلام والكليبات والإعلانات التجارية المثيرة للغرائز ، فى الوقت الذى لا يجد فيه هؤلاء الشباب أي وسيلة للتنفيس عن غرائزهم ورغباتهم سوى بالزواج العرفى خوفا من الحرام .


وتكشف الإحصاءات عن الزواج العرفى بين الشباب أن أعلى نسبة له فى الجامعات الإقليمية يليها الجامعات المركزية ثم المعاهد العليا وأخيرا الجامعات الخاصة .. وأن 30% من البلاغات المقدمة بشأن الزواج العرفى للنيابة العامة كانت من جانب طلبة كليات ومعاهد .. والمفاجأة ان 59% من الشبان يؤمنون بشرعية هذا الزواج ، الأمر الذى يزيد من حمى إنتشاره .. خطورة هذا الزواج بالنسبة للدكتورة رباب الحسينى أستاذ الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية لا تتوقف عند مجرد رفض أو قبول المجتمع له ، ولا عند حدود فتاة ستعانى آثار التجربة على مستقبلها ومستقبل عائلتها .. إنما خطورته عادة تقع على عاتق فتيات ، يبقين معلقات بلا زواج أو طلاق وسط حيل محامين .. وتحايل أزواج تنتهى فى العادة فى غير صالح المتزوجة التى يجد الزوج فى مواجهتها أكثر من طريقة للضغط وقليل من معاناة المتزوجات التى تصل الى المحاكم . والأرقام حول ظاهرة الزواج العرفى مفزعة جدا وتكشف عن أنه منتشر بشدة وبقوة وشائع إلى درجة غير معقولة ، فهناك 14 ألف دعوى إثبات نسب مرفوعة أمام المحاكم ، 10 آلاف منها ناتجة عن زواج عرفي . } ا.هـ.


3- ما جاء بجريدة التحرير بتاريخ 17 / 6 / 2017 تحت عنوان " على مسئولية « الطيب » .. 400 ألف حالة « زنا » بين طلاب الجامعات سنويا " : { 400 ألف حالة زنا أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تشير إلى أن 9 ملايين شاب وفتاة تجاوزوا سن الخامسة والثلاثين من دون زواج في ظل السماوات المفتوحة وعالم الإنترنت والفضائيات ، ومع غياب الرادع الديني ، والتوجيه الأسري ، وغياب دور المؤسسات الدينية ، كشفت دراسة إحصائية أجراها المجلس القومي للسكان في مصر عن تفشي ظاهرة " الزواج السري " ، خاصة بين طالبات الجامعات المصرية ، وعلى وجه الخصوص بين طالبات الجامعات الأجنبية في مصر وجامعات العاصمة ، وبينت الإحصاءات وجود مابين 150 ألف إلى 400 ألف حالة زواج سري ، ( وهو ماوصفه الإمام الأكبر بالزنا ) وأن أغلب الحالات بين الشباب والفتيات الذين تراوح أعمارهم ما بين 18 ـ 30 سنة . مليون « عرفي » ذكر تقرير نشرته شبكة المعلومات الإقليمية للأمم المتحدة نقلا عن الاحصاءات أن بعض نشطاء المجتمع المدني في مصر يقدرون عدد حالات الزواج العرفي في مصر بمليون حالة ، ونقل التقرير عن جمعيات حقوق المرأة في مصر تحذيرها من ظاهرة الزواج العرفي ، التي زادت في الفترة الأخيرة بشكل كبير وتسببت في مشاكل لا حصر لها ، وأشارت الى أن الشباب يلجأون إلي الزواج العرفي السري بهدف إقامة علاقات جنسية فقط . } ا.هـ .


الوقفة الثانية : تعريف عقد الزواج ، وأركانه ، وشروطه :-


أولا : تعريف الزواج لغةً واصطلاحاً :-


تعريف الزواج لغةً : قال إبن منظور فى " لسان العرب " : { مصدر زَوَّجَ ، وزوَّج الشيء وزوجه إليه أي ربطه به ، وهو بمعنى الإقتران والإرتباط ، ويُطلق على كلّ واحد من الزوجين إسم زوج إذا إرتبطا بعقد نكاح . } ا.هـ .


تعريف عقد الزواج اصطلاحاً : قال شمس الدين الرملي فى " غاية البيان شرح زبد ابن رسلان " : { هو عقدٌ يتَضَمَّن إِبَاحَة وَطْءٍ بِلَفْظ إنكاح أَو تَزْوِيج أَو بترجمته . } ا.هـ .


ولكى يكون عقد الزواج صحيحا ، فلابد من توافر أركانه ، وشروطه ، وهى :


ثانيا : أركان عقد الزواج :


لعقد الزواج مجموعةٌ من الأركان التي لا يُنعقد إلا بها ، وقد إختلف الفقهاء في عدد تلك الأركان ، فمهنم من جعلها ركناً واحداً ، ومنهم من جعلها أكثر من ذلك ، ومن تلك الأركان :


1- صِيغَة العقد : وهو الرُّكنُ الوحيد المُجمَع عليه بين فقهاء المذاهب بما فيهم : أبو حنيفة ، وتَتَكوَّنُ الصّيغة من الإيجاب والقَبول .


فالإيجاب : هو ما يَصدر من العاقد الأول سواء كان الزوج أو الزوجة أو وليّيهما أو وكيليهما .


والقَبول : هو ما يصدر من العاقد الثّاني كذلك وهما فيهما سواء ، ويتحقّق الإيجاب والقبول باللّفظ ، أي الكلام الذي به يَدلّ ويُعبّر فيه العاقد عن رغبته من إجراء العقد .


2- المَهر أو الصَّداق : وهو رُكنٌ من أركان عقد النّكاح عند الجمهور وشرطٌ له عند الحنفيّة .


الدّليل عليه : من القرآن ، والسُّنة النبوية ، والإجماع .


ودليله من القرآن : قوله تعالى : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ } ( النساء : 4 )


ودليله من السُنّة :


أ - عن سهل بن سعد الساعدى رضى الله عنه قال : { جاءتِ امرأةٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فَقالت : إنِّي وَهَبْتُ مِنك نَفْسي ، فقامَت طَويلًا ، فَقال رَجلٌ : زَوِّجْنيها إنْ لم تَكُنْ لكَ بها حاجةٌ ، قال : هَل عِندَك مِن شيءٍ تُصْدِقُها ؟ قال : ما عِندي إلَّا إِزاري ، فقال : إن أَعطَيتَها إيَّاه جَلَسْتَ لا إِزارَ لكَ ، فالْتَمِسْ شَيئًا ، فَقال : ما أَجِدُ شيئًا ، فَقال : إلتَمِسْ وَلو خاتَمًا مِن حَديدٍ ، فَلم يَجِدْ ، فَقال : أَمَعكَ مِن القُرآنِ شيءٌ ؟ قال : نَعَم ، سورةُ كذا ، سورةُ كذا ؛ لِسُوَرٍ سمَّاها ، فَقال : زَوَّجْناكَها بِما مَعكَ مِنَ القُرآنِ . } ( رواه البخارى )


وجه الدلالة : قوله صلى الله عليه وسلم : { : إلتَمِسْ وَلو خاتَمًا مِن حَديدٍ } فعل أمر يدل على إشتراط المهر .


2- عن الحسن البصرى قال : قال رّسول الله صلى الله عليه وسّلم : { لا يحلُّ نكاحٌ إلا بوليٍّ وصداقٍ وشاهدَي عدلٍ } ( رواه البيهقى فى السنن الكبرى ، وقال عنه الألباني فى إرواء الغليل : مرسل ورجاله ثقات رجال مسلم . )


وجه الدلالة : أن النكاح لا يحل بغير صداق ، ومن ثم فالصداق ركن من أركانه .


دليله من الإجماع : وقد انعقد الإجماع على ذلك ، فلا يَجوز التَّراضي على إسقاط المهر من العقد .


قال القرطبي – رحمه الله - في " تفسيره لهذه الآية " : { هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة وهو مجمع عليه . } ا.هـ .


ويرى البعض الآخر أن المهر ليس ركنا من أركان النكاح ، ولا شرطاً من شروطه ، فيصح عقد النكاح بدون تسميته ، أو إستلامه ، جاء في الموسوعة الفقهية : { والمهر ليس شرطاً في عقد الزواج ولا ركنا عند جمهور الفقهاء ، وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه ، فإذا تم العقد بدون ذكر مهر صح بإتفاق الجمهور ، قال الله تعالى : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } فإباحة الطلاق قبل المسيس وقبل فرض صداق يدل على جواز عدم تسمية المهر في العقد . } ا.هـ .


وبالرغم من عدم إشتراط المهر لصحة النكاح إلا أنه حق خالص للمرأة فرضه الله لها على الزوج ، وليس لأحد من أهلها أن يسقطه ، والمطالبة به حق للمرأة ، ويجوز لها أن تسقطه كله ، أو بعضه إذا طابت بذلك نفسها ، قال تعالى : { وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } ( النساء : 4 )


3- العاقِدان : وهما الزَّوج والزّوجة ، وكلٌ منهما ركنٌ مُستقلّ بذاته ، فلا ينعقد الزّواج بأحدهما فقط إلا إن وُجِد الآخر ، ويُشتَرَطُ في الزّوجة أن تكون خاليةً من مَوانِع الزواج الشرعيّة ، ومنها مثلاً أن تَكون مُتَزَوِّجَة بغيره ، أو مُعْتَدَّة من طلاق لغيره ، أو مُطلَّقة منه ثلاث طلقات ما لم تُحَلَّل ، أو مُرتَدة ، أو مَجوسية ، أو وثَنِيَّة ، أو أَمَة (عَبْدَةً ) والنَّاكِحُ حُر ، أو تَكونَ مَحْرَماً له ، أو زوجةً خامِسَة ، أو يَكونُ مُتَزوِّجاً بأخِتها وغيرها ممّن لا يجمع بينه وبينها ، أو تكون مُحْرِمَةً بحجّ أو عمرة .{ يراجع كتاب روضة الطالبين للنووى }


4-الشُّهود : فلا يَنْعَقِدُ النِّكاح إلا بِحُضُور شاهدين من الرجال أو بحضور رجلٍ وامرأتين ، ويشترط فيهما أن يكونا مُسلمين بالِغَين عاقِلين حُرَّيْن عَدلَين سَميعَيْن بَصيرَين عارِفَين لِسان المُتَعاقِدَيْن .


وذهب جمع من أهل العلم إلى أن " إشهار النكاح وإعلانه " يغني عن الإشهاد ، لما روى أحمد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أعلِنوا النِّكاحَ } ( رواه الترمذى وحسنه الألباني . ) .


قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – فى " الإختيارات الفقهية " : { لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان . وأما مع الكتمان والإشهاد : فهذا مما ينظر فيه . وإذا إجتمع الإشهاد والإعلان فهذا لا نزاع في صحته .


وإذا انتفى الإشهاد والإعلان فهو باطل عند عامة العلماء . وإن قُدّر فيه خلاف فهو قليل } ا.هـ .


5- الوَلِيّ : فَلَا يَصح النِّكاح إِلَّا بولِي ، لقَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } ( البقرة : 232 ) وقيل إن هذه الاية سبب نزولها : { أن أختَ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ طلَّقَها زوجُها، فتَركها حتى انقَضَتْ عِدَّتُها فخطَبها، فأبَى مَعقِلٌ، فنزَلَتْ : " فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ " } ( رواه البخارى )


وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلّى الله عَلَيْهِ وَسلّم قَالَ : { أيُّما امرأةٍ نَكَحت بغيرِ إذنِ وليِّها ، فنِكاحُها باطلٌ ، فنِكاحُها باطلٌ ، فنِكاحُها باطلٌ ، فإن دخلَ بِها ، فلَها المَهرُ بما استحلَّ من فرجِها ، فإن اشتجَروا فالسُّلطانُ ولِيُّ من لا ولِيَّ لَه } ( رواه الترمذى ، وصححه الألبانى )


فَلَا تَصِحُّ عبارَة الْمَرْأَة فِي عقد الزواج سواءً كان ذلك إِيجَاباً أم قبولاً ، فَلا يجوز للمرأة البكر أن تزوّج نَفسهَا بنفسها حتى إن أذن لها الولي بذلك ، وَلَا يجوز أن يزوّجها أحد غير وليها لَا بِولَايَة وَلَا بوكالة .


وولي المرأة : أبوها ثم أبوه ثم ابنها ( إن وجد ) ثم أخوها الشقيق ، ثم أخوها من الأب ، ثم ابن الأخ الشقيق ، ثم ابن الأخ من الأب ، ثم العم ، ثم ابنه ، ثم الحاكم المسلم . ( يراجع المغني لإبن قدامة ) .


وإذا كانت المرأة مسلمة : اشترط أن يكون وليها مسلما . قال ابن قدامة - رحمه الله – فى " المغنى " : { أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال ، بإجماع أهل العلم ، منهم مالك والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي . وقال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم } ا.هـ .


ثالثا : شُروط عقد الزواج :


تَنقسم الشُّروط في عقد الزواج إلى أربعة أقسامٍ هى : شُروطُ الانعقاد ، وشروط الصحّة ، وشُروط النَّفاذ ، وشُروطُ الجَواز . وقد ذهب جمهور الفقهاء – الحنفيّة ، والمالكيّة ، والشافعيّة ، والحنابلة - إلى إشتراط تلك الشروط في عقد الزواج واختلفوا في تفاصيلها ، فالحنفيّة مثلاً جعلوا للزواج ركناً واحداً هو الصيغة ، إلا أنّهم لا يعتَبرون باقي أركان عقد النِّكاح التي نصَّ عليها جمهور الفقهاء ، بل عَدّوا هذه الشّروط مُندرجةً تحت الشُّروط الأصليّة التي هي أركانٌ عند باقي فقهاء المالكيّة ، والشافعيّة ، والحنابلة ، بينما اعتبرها جمهور الفقهاء شروطاً مُستقلَّة لعقد النِّكاح . ( يراجع " أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية " للشيخ عبدالوهاب خلاف .)


* شرائط الإنعقاد :


هي التي يلزم توافرها في أركان العقد مجتمعةً أو منفردة ، أو في أسس العقد وركائزه ، وإذا تخلّف شرط واحد منها كان العقد باطلاً باتفاق المذاهب الأربعة .


وشرائط الإنعقاد نوعان : نَوعٌ يرجِعُ إلى العاقِد نفسه الزوج والزوجة وهو : العَقْلُ ، فلا يَنْعَقِدُ نِكاح المَجْنون والصَّبي الذي لا يَعْقِل ، لأنّ العقل من شرائط الأهليّة ، ونَوعٌ يرجِع إلى مَكان العقد وهو اتّحاد المجلس .


وشروط الإنعقاد أربعةٌ وهي :


1- أهليّة العاقدين بالتمييز وصلاحيتهما لوقوع العقد عليهما : فإذا كان أحد العاقدين فاقد الأهليّة للعقد بأن كان مجنوناً أو صغيراً غير مميّز فلا ينعقد الزواج بعبارته كما لا ينعقد منه أي عقدٍ أو تصرفٍ آخر ، لأنّ فاقد التمييز ليس له إرادة ولا يُتصوَّر منه رضا يعتمد عليه في العقد .


2- إتحاد مجلس العقد : والمقصود بإتحاد مجلس العقد أنّ الإيجاب إذا صدر من أحد العاقدين فلا يجب أن يوجد من أحدهما ما يدلّ على الإعراض عن إتمام العقد صراحةً أو ضمناً ، وألا ينشغل أحدهما بأمرٍ خارجٍ عن موضوع عقد الزواج أثناء إجرائه حتى يصدر القبول ، لأنه إن وُجِد ذلك يُعدّ فاصلاً للإيجاب فلا يوافق القبول .


3- موافقة القبول للإيجاب ولو بشكلٍ ضمني : حتى يتحقق إتفاق الإرادتين الصادرتين من العاقدين على شيء واحد محدّد ، فإذا خالف القبول الإيجاب لم ينعقد الزواج ، إلا إذا كانت المخالفة تؤدّي إلى جلب خير للموجب فإنّها تكون موافقة ضمنيّة .


4- سماع كل من العاقدين كلام الآخر : مع علم القابل أنّ قصد الموجب بعبارته إنشاء الزواج وإتمام العقد ، وعلم الموجب كذلك أنّ قصد القابل الرضا به والموافقة عليه .


* شروط الصحة : هي التي يجب أن تتوفّر في العقد حتى يترتب عليه الأثر الشرعي بعد تمامه ، فإذا تخلّف شرطٌ واحدٌ منها ، كان العقد عند فقهاء الحنفيّة فاسداً ، وعند جمهور فقهاء المالكيّة والشافعيّة والحنابلة باطلاً . وشرائط الصحة اثنان ، هما:


1- أن تكون الزوجة غير محرّمة على من يريد الزواج منها : بأي سبب من أسباب التحريم المؤبّد أو المؤقّت ، ومنها مثلاً كما مرَّ سالفاً في ذكر ركن العاقدين أن تَكون مُتَزَوِّجَة ، أو مُعْتَدَّة لغيره لم تنتهِ عدّتها الشرعيّة ، أو مُطلَّقة منه ثلاث طلقات ما لم تُحَلَّل ، أو أن تكون مُرتَدّة ، أو غير كتابيّة ، أو وثَنِيَّة ، أو أَمَة (عَبْدَةً ) والنَّاكِحُ حُر ، أو تَكونَ مَحْرَماً له ، أو زوجةً خامِسَة ، أو يَكونُ مُتَزوِّجاً بأخِتها وغيرها ممّن لا يجمع بينه وبينها ، فمن عقد على واحدة من هؤلاء ممّن لا يحل له العقد عليهن فزواجه غير صحيح .


2- أن يحضر عقد الزواج شاهدان : وهذا الشرط إشترطه الحنفيّة في حين اعتبره غيرهم ركناً ، ويُشترط في الشهود أن يكونا رجلين أو رجلاً وامرأتين ، لأنه عقد له شأنه ولما يترتب عليه من آثار وحقوق ، ولتعلّقه بالأبضاع التي كان الأصل فيها التحريم ، ولأنّه يترتب على عدم إعلانه بحضور الشهود أن يشك الناس ويسيئوا الظن إذا رأوا رجلاً يتردد على امرأة بشكلٍ مستمر من غير أن يكونا قد أعلنا زواجهما وشهد على ذلك الناس ، وقد ذُكرت شروط الشهود في باب الأركان .


* شَروطُ النَّفاذ : العقد النافذ هو العقد الذى صدر صحيحا ممن له ولاية إصداره بمعنى أنه صدر من شخص بالغ عاقل كامل الأهلية ، أى ممن له أهلية الأداء وله ولاية إنشائه ، سواء أنشأه لنفسه أو لمن فى ولايته ، أو لمن وكله فى إنشائه .


وتكمن تلك الشروط فى أن يكون العاقِد بالِغاً ، أما نِكاح الصَّبي العاقِل وإن كان مُنعَقداً إلا أنه غَير نَافِذ ، بل نَفاذُهُ يَتَوَقف على إجازَة وَليِّه ، ولا يتوقّف على بُلوغِ الصغير ، حتى إذا بَلَغ قَبل أن يُجيزَهُ الوَليُّ فإنه لا يَنفَذ بمجرد البلوغ إلا إذا أجازه الصغير بعد بلوغه هو أو وليّه .


* شروط اللزوم : هي التي ينبني عليها إستمراريّة العقد من عدمها . فإذا تخلّف شرط واحدٌ من هذه الشروط كان العقد جائزاً قابلاً للنفاذ والفسخ ، أو غير لازم : وهو الذي يجوز لأحد العاقدين أو لغيرهما فسخه أو طلب فسخه بسبب ذلك الشرط . وشروط لزوم الزواج يجمعها شرط واحد ، وهو ألّا يكون للزوجين أو غيرهما طلب فسخ أو فسخ العقد بعد إنعقاده ووقوعه تاماً صحيحاً ، أما إن كان لأحد حق فسخه كان العقد صحيحاً نافذاً غير لازم ، فلو تزوّجت المرأة ووجدت بزوجها عيباً لا يمكنها أن تعاشره بوجود ذلك العيب إلا بضرر فإنّ زواجها غير لازم ، لأنّ لها الحق في طلب فسخه ، سواء أكان العيب قبل الزواج ولم تعلم به أم حدث بعده ولم ترضَ به .


الوقفة الثالثة : الزواج العرفى الموافق للشرع :-


الزواج العرفي الموافق للشرع هو الزواج الذي لا يُكتب في الوثيقة الرسمية التي بيَد المأذون ، وقد يعلم به غير الشهود من الأهل والأقارب والجيران . وهو عقد قد إستكمل الأركان والشروط المُعتبرة شرعًا في صحَّة العقد – السابق بيانها - وبه تثبت جميع الحقوق مِن حَلِّ الاتصال ، ومِن وُجوب النَّفَقَةِ على الرجل ، ووُجوب الطاعة على المرأة ، ونسَب الأولاد من الرجل ، وهو العقْد الشَّرْعي الذي كان معهودًا عند المسلمين إلى عهد قريب ، وقد كان الضمير الإيماني كافيًا عند الطرفينِ في الاعتراف به ، وفي القيام بحُقوقه الشرعية على الوجه الذي يقضي به الشرع ، ويتطلبه الإيمانُ . وظلَّ الأمر كذلك بين المسلمين من مبدأ التشريع إلى أن رَأَى أولياءُ الأمر أن ميزان الإيمان في كثير من القلوب قد خفَّ ، وأن الضمير الإيماني في بعض الناس قد ذبُل ، فوجد مَن يَدَّعِي الزوجية زُورًا ، ويعتمد في إثباتها على شهادة شهودٍ هم من جنس المدعي ، لا يتَّقون الله ولا يرعون الحقَّ ، فما تشعر المرأة إلا وهي زوجة لمُزَوِّرٍ ، أراد إلباسها قَهْرًا ثوب الزوجية وإخراجها من خِدْرها إلى بيته تحقيقًا لشهوته ، أو كيْدًا لها ولأسرتها ! كما وجد مَن أنكره تَخَلُّصًا من حقوق الزوجية ، أو إلتماسًا للحرية في التزوُّج بمَن يشاء ، ويعجز الطرف الآخر عن إثباته أمام القضاء ، وبذلك لا تصل الزوجة إلى حقِّها في النفقة ، لا يصل الزوج إلى حقه في الطاعة ، وقد يضيع نسب الأولاد ، ويلتصق بهم وبأُمِّهم العار فوق حِرمانهم حقوقهم فيما تركه الوالدان .


وقد رأَى المُشرِّع المصري ـ حفظًا للأُسَرِ ، وصَوْنًا للحياة الزوجية ، والأعراض من هذا التلاعُب ـ أن دعاوى الزوجية لا تُسمع إلا إذا كانت الزوجية ثابتةً بورقةٍ رسميةٍ ، وبذلك التشريع صار الذين يُقدمون على الزواج العُرفي ، ويَلْحقُهم شيءٌ من آثاره السيئة ، هم وحدهم الذين يتحملون تبِعات ما يتعرضون له من هذه الآثار ، كما يتحملون إثْم ضياع الأنساب للأولاد وحِرمانهم عند الإنكار ، وهم المسئولون عن تصرُّفاتهم أمام الله ، وأمام الناس .

** نائب رئيس هيئة قضايا الدولة
والكاتب بمجلة التوحيد
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف