الأهرام
محمد ابو الفضل
الدفاع عن صلاح.. وطريقة عبدالسلام جلود
السحابة أو الأزمة التى مر بها اللاعب الموهوب محمد صلاح مع اتحاد الكرة المصري، كشفت عن دلالات كثيرة، رياضية واجتماعية واقتصادية وسياسية. دفاع كثير من المواطنين عن اللاعب عبر عن الانتصار لقيمة نبيلة والحفاظ على شخص صنع مجدا كرويا نادرا.

بعض من تصدروا مشهد الدفاع عن صلاح، لم يكن دفاعهم حبا فى اللاعب فقط، لكن انتقاما من تصرفات الحكومة، فى شكل اتحاد الكرة. ربما كان هؤلاء على حق، لأن ما جرى يكشف عن تهاون واستهتار وعدم اعتداد بقوانين الاحتراف.

المشكلة أن المسألة تحولت إلى توبيخ لجميع توجهات الحكومة، وبعضها يستحق النقد، بل سعى هؤلاء إلى الانتقام منها بما يفوق الخطأ الذى ارتكب فى حق محمد صلاح. الاسقاطات التى جرت عديدة، بما يتجاوز حدود المعتاد منها. التوظيف السياسى الذى حدث عظيم، وتخطى ما هو معروف لأمور فى صميم طقوس السياسة وليس الرياضة.

حديثى هنا بعيد تماما، عمن انهالوا تقريعا وتقريظا فى اتحاد الكرة، بحسن نية، نتيجة الجهل وسوء الخيارات، لكنه ينصب على من درجوا على الاستفادة من أى أزمة لكيل الاتهامات، للحكومة، بالحق والباطل، انطلاقا من أغراض سياسية.

أحدهم، كتب وبدأ مدافعا عن صلاح. انتقد اتحاد الكرة، ثم عرج على كيل الاتهامات للحكومة برمتها، مع أن الأخيرة هى التى حلت الأزمة أيضا، وانتهى إلى ضرورة الإفراج عن المتهمين والمحكوم عليهم فى قضايا جنائية من المحسوبين على جماعة الإخوان أو القريبين منها سياسيا. وذكر قائمة طويلة من الأسماء، فى غنى عن إعادة تكرارها، لأنكم على علم بها، وهى تتردد غالبا فى كل أزمة يمتطى فيها هذا الشخص جواده السياسي. ذكرنى كلام صاحبنا، بما قاله صديق عربى، على سبيل التندر وعدم التركيز عن تصرف أحد القادة الليبيين (الرائد الراحل عبدالسلام جلود) منذ زمن. تحدث ذات مرة عن طابور السيارات غير المنتظم أمام محطات تعبئة الوقود. ثم انتبه إلى أن الوقود يعنى النفط، والأخير يعنى الاستعمار. فبدأ الحديث عن طابور الوقود، وانتهى بمهاجمة الاستعمار الذى يريد نهب ثروات الشعوب العربية.

المقارنة تبدو بعيدة بالنسبة للبعض، لكنها معبرة وحافلة بالمعانى السياسية التى تقترب من حالة الخلط التى أدمنها الكثير من الناس. يبدأ أحدهم بالثناء على أو الدفاع عن شيء، ثم يعرج إلى الإفراج عن الإخوان وأهمية المصالحة معهم، مرورا بمواعظ كبيرة عن الحريات وحقوق الإنسان والفساد. هو حق يراد به باطل، فلا أحد يقبل حدوث انتهاكات وارتكاب تجاوزات، لكن فى المقابل يجب الالتفات إلى السياق العام الذى يأتى فيه ذكر هذه القيم وأهدافها. القفز على الملفات، أحد السمات الرئيسية للمرحلة التى نعيشها. هناك من يتحدث عن مُثل عميقة وجذابة ويضمر أهدافا سياسية مميتة. من ينتقد بغرض الإصلاح ويسعى للانتقام والهدم. من يعرف جيدا أن هناك مهمة وطنية يقوم بها الجيش والشرطة فى سيناء وغيرها ويتجاهل تضحياتهما ويسلط الأضواء على عدد القتلى من الإرهابيين.

عندما كتبت الأسبوع الماضى مقال «جهة واحدة وراء ثلاث أكاذيب عربية» قصدت التنبيه إلى ماكينة الدعاية التى تروج الشائعات، واخترت ثلاثا منها فقط، فى حين أن القائمة طويلة. ذكرنى بعض الأصدقاء أن الكذب تضاعف عند شعوب كثيرة حاليا، وهم محقون، غير أن المشكلة تتخطى حدود الكذب العادي. الخداع، أخطر من الكذب، لأنه يتوقف عند قضية اجتماعية أو اقتصادية أو رياضية مثلا، ويضمر قضايا أخرى ذات صبغات سياسية، ليضمن أصحابه تمرير رسائلهم الخفية. كما فعل صاحبنا مع محمد صلاح، عندما انتهى به المطاف للإفراج عن الإخوان، وكأن هذه الخطوة هى مرادف للإصلاح.

لا أريد أن أشغلكم بتفاصيل المغالطات الهائلة التى ذكرها الكاتب الليبرالى على صفحته، لأنها عادة لم تعد مقصورة عليه فقط، بل يعتمدها كثيرون فى أحاديثهم وكتاباتهم. إذا أردت تحقيق هدف سياسى عليك الالتفاف حوله من خلال التركيز على قضية إنسانية كبيرة تشغل بال الناس. يطربون لها أو يتعاطفون معها. ثم تبث السموم التى تريدها.

لو أمعنا النظر فى الكلام الذى يتم ترويجه، من قبل الإخوان والمتعاطفين معهم، لن نجد مضمونا مباشرا يتحدث عنهم، لكنه يتدثر تحت عنوان اجتماعى براق، ينطوى على معلومات تعزف على وتر المشاعر لدى الناس. تصب الغضب على الحكومة وتصوراتها وممارساتها وتنال من إصلاحاتها. تتطرق إلى إخفاقاتها فى معالجة المشكلات، وهى كثيرة، مثل الفشل فى اختبار الأمطار التى هطلت على القاهرة الجديدة، وزيادة رواتب الوزراء والمحافظين ونوابهم أخيرا.

لحظة الحقيقة الكاشفة، تظهر عندما يصل هؤلاء إلى هدفهم الأساسي، الخاص بأن الناس لم تعد تتحمل الإجراءات القاسية، التى أدت إلى زيادة مساحة الضجر وعدم القدرة على تحمل المزيد، وأن الحل يكمن فى الإفراج السياسى والجنائى عن الإخوان، وطى الصفحة الماضية، بلا مراجعات أو اعتذارات أو تغيير فى الأفكار، ونسيان كل الأحداث الإرهابية التى مرت بها البلاد والعقاب الاجتماعى الواجب لأصحابها.

يبدو أن طريقة الرائد الراحل عبدالسلام جلود، أصبحت من معالم الخطاب السياسى الذى يتبناه قطاع كبير من المعارضين. خطاب لا يجيد تحديد الأولويات ويتعمد خلط الأوراق. يتجاهل أكبر الإنجازات وينشغل بأقل الأخطاء، ويسعى إلى تضخيمها وحرفها عن مسارها المباشر، على أمل أن يصل بها إلى غايات كثيرة وغير مباشرة. المهم أن تترك انطباعات بالإحباط العام وأنه «مفيش فايدة» فى الإصلاح.

النجاح الذى حققه هذا الخطاب، أغرى أصحابه بمواصلة تعميم المفردات على كل المجالات. ووجدوا فى الأخطاء التى تقع فعلا وسوء التقديرات الزمنية الفاضح، ملاذا يؤيد توجهاتهم. استفادوا من كسل الخطاب المقابل، وعدم قدرته على الرد السريع وبصورة منطقية، وعززوا مواقفهم. بدت المطالبة بالإفراج عن جميع المتهمين كأنها مطلب شعبي، من دون أن تأخذ العدالة مجراها. وهو ما يرفضه المجتمع والقانون، لأنه حق أصيل لكل منهما.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف