الأخبار
ايهاب الحضرى
أمطار إبريل.. و«كذبة» إدارة الأزمات!
بالشمع الأحمر
عشت جانبا من طفولتي في قرية جزائرية، تحيطها الجبال من كافة الجوانب، وكانت الأمطار تتساقط لأيام متتالية دون توقف، تصاحبها الثلوج في أحيان كثيرة، ولا أذكر أنني انقطعت يوما عن مدرستي بسبب المطر، وأعتقد أن كلمة »سيول»‬ لم تنضم إلي قاموس مفرداتي إلا بعدها بسنوات طويلة، عندما أصبحت كلمة سيئة السمعة رغم أنه يُفترض أن تكون من بشائر الخير، فسوء الإدارة يُمكن أن يُحوّل النعمة إلي نقمة، وغياب التخطيط قد يؤدي إلي كوارث عايشنا بعضها علي مدي عقود، ومنها مايزال يترصدنا.
جاءت أمطار أبريل لتكشف كذبة الاستعدادات المزعومة للتعامل مع الأزمات، لكن المثير هذه المرة أنها لم تستهدف الغلابة مثلما كان يحدث من قبل، بل حاصرت الأثرياء في واحدة من أهم مدنهم، لهذا كانت الكارثة أكبر! فعلي مدار أعوام كانت أزمات الأمطار تجد مبررات سابقة التجهيز، يلجأ إليها مسئولون فاسدون أو مهملون، ليعلقوا خيباتهم علي شماعة السنوات العجاف التي أورثتنا تركة ثقيلة، وأحيانا كان المواطن البسيط متهما بالمسئولية عما جري له، حيث لجأ إلي مخرات السيول ليسكنها، فاستحق أن ينال جزاءه من الطبيعة، بعد أن عجز رجال المحليات الطيبون عن ردعه! غير أن كل تلك الشماعات المهترئة تفقد صلاحيتها عند الحديث عن التجمع الخامس، فقد أنفق الكثيرون ثروات للإقامة في أرض الأحلام، التي يُفترض أنها حظيت بما يستحق من الاهتمام والتخطيط، مما جعل أراضيها تنافس الذهب في أسعاره! وجاءت الأمطار لتجدد عصر المعجزات، وبعد أن ظلت المدينة طوال سنوات عمرها القليلة ذات طبيعة صحراوية، أصبحت الأنهار تجري من تحتها، »‬وفوقها أحيانا»! لكن البعض لم يُقدّر قيمة النعمة، وبدلا من مكافأة مسئولي المدينة علي جهودهم في تحويلها إلي صورة من فينيسيا، تمت إقالتهم ومحاكمتهم، رغم أنهم نقلوا المدينة الإيطالية الغارقة إلي مصر!
المفاجأة الحقيقية تمثلت في كم التقارير وتصريحات المتخصصين التي طفت فجأة علي سطح المياه، وأثبتت أن هناك أخطاء جسيمة في البنية التحتية المصرية ككل. ويمكن أن أستوعب ذلك إذا كان الحديث عن مدن تعيش مرحلة شيخوختها، لكن لماذا لم يتم تدارك تلك الأخطاء في المدن الشابة التي ترعرعت وسط الصحاري الممتدة؟ والأهم من ذلك، كيف ضرب مسئولو بعض المدن عرض الحائط بمخاطبات رسمية كان يمكن أن تساهم في تفادي الأزمة أو الحد منها؟
بعد غرق التجمع الخامس كشفت وزارة الري أنها خاطبت مسئولي المدينة وطالبتهم بتحديد أماكن لإقامة مخرات السيول، لكنها لم تتلق أي رد منهم! وهو أمر ستحقق فيه الجهات المختصة بلا شك، لكن ماذا فعلت »‬الري» عندما ووجه طلبها بالصمت المريب؟ أغلب الظن أن مسئوليها رأوا أنهم أدوا دورهم واستكملوا »‬تستيف» الأوراق التي تُخلي مسئوليتهم، وناموا مطمئنين دون أن يقوموا بتصعيد الأمر، وكأن الوزارات تعيش في جزر منعزلة، ومع الأزمة أصدرت الوزارة نفسها تقريرا بالغ الخطورة يُحذر من كوارث أخري محتملة في 11 محافظة، وأكد التقرير أن قري سياحية في البحر الأحمر أقيمت في نهاية مخرات السيول، دون مراعاة الإجراءات الهندسية الوقائية!
أمطار الفجأة مثل موت الفجأة تصيب البشر بحالة من الذهول، تزيد من نحيبهم لأن الحدث لم يكن مُتوقعا، لكن العويل يتراجع تدريجيا بفعل آفة النسيان، حتي توقظه كارثة أخري فيتكرر السيناريو نفسه. أتمني أن تنجح أمطار الصيف في القضاء علي بياتنا الشتوي، الذي منحه إهمالنا فرصة الانتشار في كل فصول السنة!!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف