الوطن
جيهان فوزى
السموم الإلكترونية
هل أصبحنا نعيش فى العالم الافتراضى «مستلبين». لا نستطيع التفريق بين الغث والثمين؟ هل التكنولوجيا تعيش فينا أم نعيش فيها؟ وهل أصبح الترابط الأسرى والتواصل الاجتماعى بين الأهل والأصدقاء والزملاء من خلال مواقع إلكترونية قرّبت المسافات بين ملايين البشر رغم البعد الجغرافى، فى حين ناءت بهم السبل للتواصل الحى من جسد وروح مع أقرب الناس إليهم؟ وتدريجياً أشعرتهم بالامتلاء والاستغناء، وباتت اللهفة والمشاعر والإنسانية مجرد كلمات يتخاطب بها البشر من خلال الشبكة العنكبوتية بلا قيمة ولا معنى، فقد أدى الاستخدام المفرط لوسائل التكنولوجيا، وتغول المعلومات إلى حالة من الفراغ الوجدانى والإنسانى فى الأسرة والمجتمع، واستُبدلت المشاعر والعواطف الإنسانية لمجرد «شاشة» ننظر إليها على مدار الساعة، ونجول أرجاء العالم من خلالها، وتحولنا مع الوقت إلى أدوات تحركها التكنولوجيا وتبهرها الابتكارات، حتى إن كانت تُشكل خطورة بالغة على حياتنا وتُهدّد مستقبلنا، فالميول المفرطة لاستخدام الشاشات والخوض والاندماج مع فحوى إلكترونى غير آمن يؤدى إلى الاكتئاب.

أحد سموم الإنترنت لعبة «الحوت الأزرق»، هذه اللعبة التى حصدت حتى الآن عشرات الضحايا من مراهقين ومراهقات من أماكن متعدّدة فى العالم الغربى، ليمتد تأثيرها ودخولها إلى العالم العربى أيضاً مهدداً يومياً فئات وشرائح معينة من مراهقين فى الفئة العمرية من 12 حتى 20 عاماً، مندفعين وراء سلسلة من الأوامر يتبعونها تدريجياً إلى أن يصلوا فى المرحلة الـ50 والأخيرة من اللعبة لحالة الانتحار. حازت اللعبة على الاهتمام بين المراهقين والمراهقات الباحثين عن الإثارة الحسية والعاطفية، رغم أنها مبنية على طريقة مخيفة ومرعبة، فهى عبارة عن مرور اللاعب بـ50 مرحلة تستعمل فيها أساليب إيحاء و«ترانس»، وضلوع المراهقين فى اللعبة يكون حسياً ونفسياً بما يجعل اللاعبين فاقدى السيطرة من التحكم بالذات والرقابة على العوامل الحسية والنفسية التى تضعف بسبب المواقف الإيحائية، حيث يأخذ اللاعب الأوامر من الطرف الثانى، الذى يلعب معه ويسيطر عليه. ويؤكد الإخصائيون النفسيون بأن المعرّضين للوقوع فى شرك اللعبة هم مراهقون يحملون الميول والدلالات نحو عزلة نفسية واجتماعية وميول اكتئابية ونوايا لأذى الذات، وكل هذه العوامل تشكل خطورة بالغة إلى أن يصل اللاعب إلى مراحل متقدّمة، يتم بعدها الضغط عليه وتهديده بإيذاء شخصيات قريبة منه وقتلهم، فيضطر للانتحار كى يحميهم من الأذى. إن دخول اللعبة يتم تدريجياً بإيذاء النفس عن طريق التجريح الجسدى أولاً، ومن ثم الانزلاق والتدحرج للحالة الانتحارية، حيث تكون أسهل حينها بعد أن يكون تعرّض للأذى الجسدى، بينما تجريح «الذات» هو مرحلة أولى للانزلاق للمرحلة الانتحارية. وللأسف فإن ظاهرة تجريح الذات سائدة عند الفتيات أكثر من البنين، وهو سلوك مفتعل لكى يُهدّئ المراهق، وهو أيضاً حالة من حالات الإدمان كفعل، والهدف من ورائه هو الهدوء النفسى. و«الترانس» حين يفقد الإنسان ذاته ويصبح على صلة مع قوى أو عوامل خارج نفسه ويصبح الأنا الذى يتحكم بالمفاهيم السلوكية والعاطفية والنفسية، يسلم لعوامل خارجية وتسلم الذات للمسيطِر. وتتم حالة لتشويش الوعى والاتصال بالواقع يصبح مشرذماً غير ثابت، ومتعلقاً بالعوامل الخارجية المسيطِرة عليه.

إن ظواهر الإدمان متشعبة ومتعددة والنظريات النفسية - العصبية تظهر هذه الأنواع التى لها علاقة بالكمبيوتر واستخدام الإنترنت، ومنها «السموم الإلكترونية»، مثل لعبة الحوت الأزرق، حيث هنالك أصوات معينة ومحفّزات بصرية وإلكترونية لها علاقة بالإدمان، والشاشة نفسها لها وجهان، وجه حسن ووجه سيئ، حيث يكون المراهق مفتوحاً على عالم لا يرحم بلا رقابة ولا تثقيف، المراهقون بحاجة إلى الاحتواء والنظر إليهم بعين فاحصة محبة مؤهلة وإدراك إحباطاتهم الحسية والنفسية مسئولية الأهل وعدم السماح لهم بالانزواء والعزلة والانغلاق لتفادى تداعياتها والتحدث معهم لدعمهم وتوعيتهم باستخدام الشاشة وتعزيز اللغة العاطفية لدى المراهقين للتعبير عن عواطفهم خصوصاً أن التواصل بينهم أصبح تلغرافياً دون إحساس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف