ماجد حبته
جامعة الدجالين والنصابين.. دمنهور سابقًا
نصحتك بأن تمسك أعصابك، بأن تأخذ نفسًا عميقًا، وتبتعد عن أي حائط، حتى لا تخبط دماغك فيه، وأنت تقرأ مقال أمس، «دجل الشعراوي وعمرو خالد!»، الذي أردت بعلامة التعجب الإشارة ضمنيًا، أو تلميحًا، إلى أن الدجل بعينه هو ما فعله مَن وضعا اسميهما على غلاف الكتاب الذي لم تلتفت الجامعة إلا إلى جملة واحدة، وتركت ما قبلها وما بعدها من «هراء». واليوم أقول بوضوح إن هذين الشخصين دجالان ونصابان وأن مجرد دخولهما إلى الحرم الجامعي، بعد اليوم، يعني أنه بات وكرًا للدجالين والنصابين وربما اللصوص!.
اليوم، أجدد النصيحة، وأنصحك أيضًا، بألا تلتفت إلى الجدل المثار بشأن الإساءة للشعراوي أو عمرو خالد، وبأن تبعد انحيازك مع أو ضد الرجلين عن الموضوع، لأننا أمام جريمة أكبر بكثير من مجرد جملة عابرة في سياق «منيل بستين نيلة». وكنت توقفت أمس عند كتاب عنوانه «دراسات في تاريخ العرب المعاصر» يقول غلافه إنه من إعداد «أ.د عبداللطيف الصباغ، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، كلية الآداب، جامعة بنها». و«د.أحمد محمود رشوان، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر، بجامعة دمنهور». والكتاب مقرر على طلاب الفرقة الثالثة في كلية التربية جامعة دمنهور. ونقلت الصفحة رقم ٤٣ لأوضح أنه على كثرة الهراء «ولم أقل الهبل» الذي تضمنته الصفحة، وعلى كثرة ما تضمنه الكتاب إجمالًا، فإن ما استوقف جامعة دمنهور، فقط، برئيسها وعمداء كلياتها وكل العاملين فيها، هو تلك العبارة التي تضمنت إساءة إلى الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكان غريبًا أن يتم تجاهل «عمرو خالد» الذي طالته الإساءة نفسها، في العبارة نفسها!.
قلبي الضعيف لم يحتمل، وكادت الدمعة تفر من عيني حين قرأت تصريحًا يقول فيه رئيس الجامعة «أنا أدخل في نوبة بكاء فور سماع الشيخ محمد متولي الشعراوي خلال لقاءاته المسجلة على القنوات الفضائية والإذاعة المصرية». وربما كان البكاء أيضًا هو ما جعله يتصرف بعبثية مع الموقف. ولو كان «شايف شغله» لأحال الكتاب إلى لجنة علمية وانتظر تقييمها قبل أن ينطق بكلمة. والحقيقة هي أنه، بدون لجنة علمية أو أدبية، كان يمكنه بسهولة «كما أمكنني.. وكما يمكنك أنت أيضًا» معرفة أن الفصل كله منقول «ولا أقول مسروق» حرفيًا «وبعلامات الترقيم» من مقال عنوانه «العروبة والإسلام وانتكاسة نهضة مصر الحديثة» نشره عبدالجواد سيد عبدالجواد على موقع «مصر المدنية» في ٨ أغسطس ٢٠١٤، ونشير بالمرة إلى أن «عبدالجواد» ترجم في ٢٠٠٦، كتاب «تاريخ الشرق الأوسط» للبريطاني «بيتر مانسفيلد»، الذي سيأتي ذكره لاحقًا.
قال المثل إن الحرامي، حين قالوا له «احلف»، قال «جالك الفرج». وعليه، توقعت ألا يجد المدعو أحمد رشوان وشريكه أي مشكلة في الاعتذار، وعمل «عجين الفلاحة» أو «نوم العازب»، لـ«لم الموضوع» خشية أن يتم اكتشاف الجريمة التي ارتكباها والتي تقاس أو تقارن بالإساءة إلى فلان أو علان. غير أنني لم أتوقع أبدًا أن يكون هذا الاعتذار مشفوعًا بقدر لا يمكن احتماله من الكذب والتدليس مخلوطًا بتبجح لا يليق أبدًا مع هرتلات أخرى تجعلك تعتقد أن قائلها ليس في كامل قواه العقلية أو لا يعرف شيئًا عن البحث العلمي.
لـ«المصري اليوم» قال المدعو أحمد رشوان: «مفيش أزمة ولا أي حاجة حصلت، فوجئت بثورة عارمة ليس لها أساس من الصحة»، موضحًا أن «الفصل أساسًا لم يدرس نهائيًا ولا أعرف ما سبب إثارة القضية، وفوجئت بثورة عارمة، ولغيت الفصل أول ما اكتشفت إنه ممكن يسبب مشكلة». وأضاف «رشوان»: «أنا أكن كل الاحترام للشيخ الشعراوي وكل الأديان الإسلامية والمسيحية واليهودية وكل رموز الأديان». وأوضح أنه يتحدث في ذلك الفصل عن «العنف، والناس التي ذهبت إلى السعودية، ولم أناقش أي شيء عن الشيخ الشعراوي وعمرو خالد»، وذكر أنه مستمع للشيخ الشعراوي ومن محبيه، وهو رمز من رموز مصر وأنه يحترم كل رموز مصر. وأوضح أن كتابه «تاريخ العرب المعاصر» كان به تاريخ جميع الدول العربية، وأنه قرر هذا العام إضافة فصل عن مصر، قائلًا: «قلت نحط الفصل بتاع مصر، والكلام ده ما شفتوش قبل كده».
ما قد يحرق دمك أكثر هو أن المذكور رد على سؤال «المصري اليوم»: كيف لم يره وهو كاتبه؟، بقوله: «وأنا كاتبه سُهي عليا يمكن ظروف نفسية أو سهو». ثم عاد «رشوان» ودافع: «الكلام ده مش جايبه من عندي، الكلام ده كاتبه بيتر مانسفيلد في كتابه عن العنف في الشرق الأوسط، ومحمد حسنين هيكل في كتابه «مبارك وزمانه» قايل نفس الكلام. ويوسف زيدان نفسه هاجم كل الرموز وقال ثورة عرابي ما حصلتش ونفى أن صلاح الدين قابل ريتشارد قلب الأسد»، مضيفًا «الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية». وأشار إلى أن هناك فتاوى كثيرة أصدرها الشيخ الشعراوي وتراجع فيها عندما اكتشف أنها خطأ، وقال: «الاعتراف بالخطأ محمود وأنا أعترف أني أخطأت، ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمني بحجر»، ووصف ما حدث بأنه «خطأ غير مقصود نهائي».. مكررًا «أنا مقر بالخطأ ومتراجع عما كُتب». وختم حديثه لـ«المصري اليوم» بقوله: «أنا معتدل جدًا في أفكاري، وليس لي صدامات والطلبة بيحبوني، وأحاول توصيل معلومة صحيحة لهم».
تصريحات مختلفة قليلًا قالها المذكور لبوابة «روز اليوسف». قال إن هذه الفقرة ترجمة للكاتب الإنجليزي «السير بيتر مانسفيلد» في كتاب عن الشرق الأوسط وتمت ترجمته «وبمجرد مراجعتي للكتاب، قررت عدم تدريس الفصل الموجود به هذه العبارات بالكامل.. أكن كل تقدير واحترام لعلماء الأزهر ولم أتطرق لمناقشة وأفكار الشيخ الشعراوي». وأكد أن ما تضمنه كتابه من إساءة لرمزين من رموز الدعوة الإسلامية، هو «زلة قلم» مقدمًا اعتذاره عما جاء بالكتاب. وأوضح أن الفصل الثالث بالكتاب يتضمن تاريخ مصر خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وظهور تيار الإسلام السياسي، بسبب الذين سافروا إلى السعودية، ومعهم بعض المشايخ، الذين غذوا النزعة الدينية لدى المصريين، وهو ما أدى إلى وقوع أحداث عنف كان من بينها حادث الأقصر، مضيفًا: «فعلا الكتاب تضمن أن الشيخ الشعراوي والدكتور عمرو خالد، كانا من بين الذين غذّوا العنف السياسي في مصر خلال تلك الفترة»، مجددًا تأكيده في الوقت نفسه أنه لم يكن يقصد الإساءة للشيخ الشعراوي.
لو سألتني عن عدد الجمل الصحيحة في كل ما سبق، سأقول إن المذكور ربما لا يكون صادقًا إلا في قوله «الكلام ده ما شفتوش قبل كده».. «الكلام ده مش جايبه من عندي».. «سُهي عليا يمكن ظروف نفسية». مع احتمال أن يكون عدم «القوى العقلية» وليس الظروف هو أحد أسباب بقية الكلام الفارغ أو الأكاذيب التي قالها المذكور، وبينها زعمه أن «الكلام ده كاتبه بيتر مانسفيلد في كتابه عن العنف في الشرق الأوسط». وغير أن مانسفيلد ليس له كتاب بهذا العنوان، فإن كتابه «تاريخ الشرق الأوسط» صدرت طبعته الأولى سنة ١٩٩١ أي حين كان عمرو خالد في الرابعة والعشرين من عمره، متخرجًا لتوه في كلية التجارة، ويعمل في أحد مكاتب المحاسبة، بما يعني، بداهة، استحالة أن يكون مانسفيلد قد أشار إليه. كما أنك لو رجعت إلى الكتاب، لن تجد أثرًا للفقرة المشار إليها أو ما شابهها، وكذا الحال بالنسبة لكتاب الأستاذ هيكل «مبارك وزمانه». ونشير بالمرة، أو «ع الماشي» إلى أن مانسفيلد الحاصل على لقب سير هو طبيب بريطاني نال جائزة نوبل في الطب وأنه شخص آخر غير صاحب الكتاب المشار إليه الذي لم يحصل على اللقب: لقب «سير».
غاب عن المعركة طرف أصيل فيها، أو الطرف الأساسي، وأقصد «أ.د عبداللطيف الصباغ، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، كلية الآداب، جامعة بنها» الذي ستفاجأ لو عرفت أنه كان معارًا إلى كلية التربية للبنات بالأحساء وجامعة الملك فيصل، بالمملكة العربية السعودية، وعندما قررت جامعة الملك فيصل إعادة هيكلة كليات التربية للبنات التابعة لها تم اختيار المذكور مع مجموعة من الأساتذة لوضع الخطط الدراسية لها. و«أجيزت الخطة من وزارة التعليم العالي السعودية مع الشكر»، بحسب الصفحة الشخصية للمذكور على صفحة جامعة بنها. بما يعني أنه واحد ممن عادوا «بلحية وجلباب وأفكار متخلفة معادية للحضارة والإنسانية». ولا تسأل كيف وافق المذكور على العمل في جامعات الراعي الأساسي للتنظيمات الإرهابية، بحسب وصفه؟!. واشغل نفسك بمحاولة الإجابة عن السؤال الأهم: ماذا لم الشامي على المغربي، أو «مدرس دمنهور» على «أستاذ بنها»؟!.
لا تشغل نفسك بالسؤال الأول لأن الفصل كما أوضحنا منقول حرفيًا، وأغلب الظن أنه وشريكه في النقل «ولا تقل السرقة» لم يجدا وقتا لقراءته: «كوبي/بيست» واقلب!. أما السؤال الثاني، فربما تكون إجابته في وجود كتاب بعنوان شبيه «تاريخ العرب المعاصر»، يحمل اسم «أستاذ بنها» مع اسم مدرس آخر، بدلًا من اسم «مدرس دمنهور»: «عبدالله فوزي الجنايني، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر»، بما قد يعني أن «أستاذ بنها» يقوم بتأجير اسمه لصغار المدرسين، أو يقوم بتأجير الكتاب نفسه، مقابل نسبة من عائد بيع الكتاب للطلبة. وتلك صيغة متعارف عليها بين «عصابات»، إذ إن وجود اسم «أستاذ كبير» يضمن موافقة مجلس القسم «أو عدم اعتراضه» على تدريسه، بشكل «عمياني» دون النظر إلى محتواه. غير أن حالة «عبداللطيف الصباغ» مختلفة وتثير العجب.
المذكور حصل على درجة أستاذ في سبتمبر ٢٠٠٨، وصار عميدًا لكلية الآداب جامعة بنها، في ٢٦ سبتمبر ٢٠١١، وانتدب انتدابا جزئيا للإشراف على الإدارة المركزية للمراكز العلمية المتخصصة بدار الكتب والوثائق القومية بداية من ١٣ يونيو ٢٠١٣. ومن الدكتورة عبير الرباط، وهي العميد حاليًا، عرفنا أنه تم تحويله للتحقيق منذ عامين من قبل إدارة جامعة بنها، وأنه خارج البلاد ولا يتم تدريس أي كتاب خاص به بالكلية، ومدرج على قوائم جماعة الإخوان. وبالتالي ستضرب كفًا بكف أو «راسك في الحيط» حين تعرف أن مجلس الكلية وافق بجلسته رقم «٣٦٤» بتاريخ ١٨ فبراير ٢٠١٥ على الطلب المقدم من المذكور لحضور المؤتمر الدولي الثامن والعشرين والذي تنظمه كلية الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة سان بطرسبرج بروسيا تحت عنوان: «التاريخ ومصادر الدراسات الآسيوية والإفريقية - آسيا وإفريقيا في عالم متغير»، والذي انعقد في الفترة من ٢٢ إلى ٢٤ إبريل ٢٠١٥، ولا يعنينا في ذلك كله غير أن الموافقة انتهت بـ«على أن تساهم الجامعة في نفقات السفر والاشتراك في المؤتمر».
هذا عن الأستاذ الدكتور، أو طرف الجريمة الأول، أما عن المدرس أو الطرف الثاني، فإن القفزات الزمنية في تاريخه الوظيفي تقول إن «سره باتع». وطبقًا لبياناته المستخرجة من قاعدة بيانات نظم المعلومات الإدارية في جامعة دمنهور، فهو مولود في ١٠ يناير ١٩٦٣ وتم تعيينه في ٧ ديسمبر ١٩٩٨ وحصل على درجة الماجستير في ٢٠٠٣ عن رسالة عنوانها «الحياة الاجتماعية في مصر ٣٩ - ١٩٥٢» من كلية الآداب جامعة الإسكندرية فرع بنها. ومن مصدر آخر عرفت أنه حصل على الدكتوراه سنة ٢٠١٥ عن رسالة عنوانها «الريف المصري ١٩٥٢ - ١٩٧٠ دراسة تاريخية». أي أنه تم تعيينه في الجامعة بعد تخرجه بـ١٢ سنة على الأقل، وحصل على الماجستير بعد خمس سنوات وعلى الدكتوراه بعد ١٢ سنة وتم تعيينه مدرسًا وعمره ٥٢ سنة!.
الخلاصة هي أننا أمام جريمة، نجامل مرتكبيها، أو نشاركهما فيها، حين نلخص الموضوع في مجرد جملة تحمل إساءة إلى فلان أو علان. ولعلك تكون استنتجت أن الهدف من الجريمة «مادي» بحت، وهو بيع الكتاب بغض النظر عما يحتويه من «هراء» تم لمه أو جمعه أو سرقته من مواقع إلكترونية، الأمر الذي يضيف إلى الجريمة العلمية جرائم أخرى كالغش التجاري أو النصب. وعليه، فلا أعتقد أنك ستختلف معي في أن الفصل هو العقاب المناسب، أو الأبسط، وأن مجرد دخول أمثال هؤلاء إلى الحرم الجامعي، بعد اليوم، يعني أنه بات وكرًا للدجالين والنصابين وربما اللصوص.