الجمهورية
فهمى عنبة
الغيوم لا تحجب الحقيقة!!
** تعالوا نتحدث بصراحة.. فنحن جميعاً غير راضين عن حال البلد.. وبالتأكيد لم يعجب أي مواطن بمن فيهم المسئولون الأحداث والتوابع التي أعقبت الأمطار والسيول التي غرقت بسببها العديد من المناطق في "شبر ميه".. ولكن لم نفكر فيما حدث ولماذا ومن المسئول وكيف نتلافاه؟
علينا أن نعترف بأن الكوارث الطبيعية لا دخل للإنسان في وقوعها فهي "القضاء المستعجل" الذي غالباً ما يأتي فجأة كالزلازل والبراكين.. وأحياناً تشير إليه الدلائل مثل السيول والأعاصير التي من رحمة الله جعل هناك من يتنبأ بها من خلال هيئة الأرصاد التي تتابع حالة الجو وحركة الرياح وتحذر من سقوط الأمطار وشدتها لاتخاذ التدابير اللازمة لمواجهتها سواء علي المستوي الحكومي والمؤسسي أو بالنسبة للأفراد.. وهو ما حدث حيث كان الكل يعرف ان هناك موجة من الطقس غير المستقر مصحوبة بأمطار وسيول علي أماكن متفرقة من الجمهورية.. وللأسف سقط الجميع في الامتحان؟
أزالت الأمطار الغيوم التي تحجب الحقيقة وكشفت عورات المجتمع وأغرقتنا في الخجل بعد ان أصبحنا عراة أمام أنفسنا.. فقد تبين ان الجميع مقصرون!!
لم تتعامل الحكومة بجدية من البداية فرغم علم الأجهزة المعنية والمحليات والمحافظات بوجود خطر قادم.. فلم يتم التحرك لاحتوائه أو السيطرة عليه أو علي الأقل مواجهته والتصدي له.. ولم يتم التحرك الفعلي إلا بعد فوات الأوان وتهديد حياة المواطنين وتلف ممتلكات عامة وخاصة بالملايين.. وحتي التدخل جاء بعد طلب رئيس الجمهورية الذي استمع لاستغاثات المحاصرين من المياه والعالقين في الشوارع.. فإلي متي لا تتحرك الأجهزة والوزارات والمحافظات من تلقاء نفسها وتقوم بواجباتها وما تفرضه عليها المسئوليات الملقاة علي عاتقها.. وهل لابد كل مرة أن يتدخل الرئيس؟!
.. وللأمانة فهذا ليس قاصراً علي هذه الحكومة ولكنه "سلو" كل الحكومات وكل المحافظين من عشرات السنين.. وإلا كان هناك علي الأقل من استفاد من "كارثة الإسكندرية" التي حلت منذ سنوات وتم خلالها غرق عروس البحر المتوسط بعد اكتشاف أن بلاعات صرف مياه الأمطار سدت بالأسمنت.. ورغم أنه تم عزل المحافظ وقتها إلا أن كل محافظ لم يفكر كيف يتجنب مثل هذا الموقف ويطمئن علي سلامة شبكة صرف مياه الأمطار وإذا لم تكن موجودة فليبدأ في إنشائها.. وكانت الطامة الكبري في القاهرة الجديدة التي من المفترض ان يكون بناؤها قد تم علي أحدث المواصفات ثم اتضح ان شوارع القاهرة القديمة التي بنيت في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي كانت أفضل منها وانهم أيامها كانوا يعملون حساباً لكل شيء.. أما الآن فللأسف لا ضمير عند من يخطط أو ينفذ أو يتسلم المشروعات من المقاولين!!
فساد متراكم
** فشلت الحكومة قبل أن تبدأ الأزمة.. ومرة أخري حتي لا نحمل هذه الحكومة وحدها المسئولية فإن ما حدث جاء نتيجة تراكمات لفساد ساد منذ عقود سابقة. وقد يكون ذلك تفسيراً لإصرار الرئيس عبدالفتاح السيسي علي وجود هيئة الرقابة الإدارية في الإشراف علي تنفيذ كافة المشروعات القومية وكتابة تقريرها عن مدي جاهزيتها واتفاقها مع المعايير وتحقيقها للاشتراطات والمواصفات الدولية.. وهو ما يجب أن يتم وفوراً بالنسبة لكل المشروعات السابقة وعلاج ما بها من نقص أو قصور!!
بالله عليكم.. ألم نقرأ ونسمع كثيراً ومن عشرات السنين ان رئيس الوزراء يطلب من المحافظين ان ينشئوا مخرات للسيول وبلاعات لصرف الأمطار.. ومع ذلك فإن المهندس شريف إسماعيل مازال يكرر نفس الطلب.. وبالطبع لا حياة لمن ينادي.. فلماذا.. فهل لعدم وجود متابعة.. أم انهم يعلمون ان كل شيء ينسي مع الوقت خاصة ان الصيف بدأ ولا أمطار حتي الشتاء القادم و"يامين يعيش"؟!!
للأسف.. فإن الوزراء المعنيين بالأزمات والمحافظين "الحاليون والسابقون" أثبتوا انهم غير قادرين علي الاستجابة السريعة ويأخذون وقتاً طويلاً قبل بدء التحرك لعلاج ما تتعرض له الشوارع والمدن والقري والأحياء من نقص شديد في الخدمات وإهمال في البنية الأساسية التي استنزفت المليارات من أموال الشعب "الغلبان" ثم اتضح انها تذوب وتبوش في قطرات المطر.. وتبين أيضاً ان أغلب عمليات رصف الطرق وأسفلت الشوارع وإنشاء الأرصفة غير مطابق للمواصفات!!
لذلك فإن ما يحدث من المقاولين والمهندسين الذين يستلمون المشروعات يحتاج إلي رقابة صارمة وإلي عمليات تفتيش واسعة تتم علي كل المواقع حتي يعود هؤلاء إلي ضمائرهم ويراعوا الله في وطنهم وشعبهم وفي أنفسهم!!
أحزاب وجمعيات.. خارج الخدمة!!
** دعونا من الأجهزة الرسمية.. ولكن ماذا فعل أكثر من 100 حزب و43 ألف جمعية أهلية في مصر .. وهل تحرك المجتمع المدني لتأدية واجبه في احتواء الأزمة والتخفيف من حدة آثارها علي المواطنين أم ترك كل ذلك وتفرغ لمهاجمة الحكومة والانتقام منها؟
في كل الأحداث سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو ما تتعرض له البلاد من أزمات وكوارث .. لا نري أثراً لتلك المنظمات المدنية مع ان عملها الأساسي لابد ان يكون وسط الجماهير في الشارع حتي يشعر بهم المواطن ويعطيهم صوته أو ينضم إليهم.. فلم يقم أي حزب بتنظيم حملات إغاثة للمضارين ولم نشاهد جمعية وجهت أعضاءها لخدمة مجتمعها والمساعدة في إزالة آثار السيول ورفع المياه من الشوارع.. وحتي الهلال الأحمر لم يرسل سيارة إسعاف أو متطوعيه لانتشال السيارات الغارقة وإنقاذ المحاصرين علي الطرق.. وهل سمع أحدكم عن جمعية خيرية قدمت إعانات أو مساعدات لمن فقدوا سياراتهم أو ضاعت أمتعتهم وتهدمت منازلهم في الأرياف والصعيد والمناطق العشوائية.. ثم أين شركات التأمين التي يجب عليها ان تقدم وثائق جديدة تغطي مثل هذه الكوارث التي زادت علي ان تكون أقساطها في متناول المواطنين لأن معظم ما يقدم يفوق قدراتهم!!
مطلوب سرعة إعادة الحياة إلي الأحزاب والجمعيات الأهلية وتفعيل دورها بعد ان أصبحت عالة علي المجتمع بدلاً من المساهمة في تنميته.. ولابد من تعظيم ثقافة العمل التطوعي التي تكاد تنقرض مع ضرورة ضخ الشباب في شرايين الأحزاب والجمعيات بعد دمجها لتقويتها وتقليل أعدادها!!
وحتي نكون منصفين.. فلا يمكن ان نظل نتهم الحكومة والأحزاب والجمعيات لأنها تعبر عن التغيرات التي حدثت في المجتمع.. فالمواطن أيضاً مسئول بشرط ان نستعيد "الشخصية المصرية" التي تاهت في السنوات الأخيرة.. وتلك قصة أخري.. إذا كان في العمر بقية!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف