فضفضة
من المزايا التي تكاد تنفرد بها مصر علي مدار تاريخها الضارب في القدم أن من أتي إليها زائرا، أو عابرا أو حتي غازيا مستعمرا. يذوب فيها وينصهر في بوتقتها.. غزاها الهكسوس والرومان واليونانيون ولكنهم وقعوا في هوي مصر.. وتغنوا بها واتخذوها وطنا بل وعبدوا ما عبد الفراعنة.
هذا الخط واضح ومستقر في التاريخ المصري حتي في فترة الفتح العربي الإسلامي لمصر كانت البصمة المصرية للإسلام الذي خرج من مصر إلي شتي انحاء الدنيا حتي إلي البلد الحرام الذي نزلت فيه رسالة الإسلام.
ومنذ نهاية القرن التاسع عشر وخلال النصف الأول من القرن الماضي كانت مصر قبلة لعشرات الآلاف من الجاليات الاجنبية التي وجدت في مدن، وحتي في قري مصر عنصر جذب لكي تعيش فيها، وتستقر، وتستوطن وتعمل وتستثمر، آلاف من الأسر وعدة أجيال مع الايام لم يبق لها من بلد المولد أو النشأة غير اسم يصعب نطقه فاختصره المصريون بخفة دمهم في اسم »الخواجة»، فأي اجنبي عاش في مصر من دول حوض البحر الابيض المتوسط، وتحديدا من ايطاليا واليونان وقبرص ومالطة، حتي بعض الارمن والشراكسة والاتراك اعتبر مصر وطنه، ووجد من أهلها المودة، وحسن العشرة، والطيبة، والكرم، وذابوا عشقا في ترابها حتي صاروا مصريين قولا وفعلا لا يفرقهم عن بقية المصريين سوي لون البشرة وان بعضهم يقول »يا خبيبي» بدلا من »يا حبيبي».
استمر هذا الوضع حتي وقعت الفتنة الكبري وخطيئة اتخاذ اجراءات آراها سلبية في عهد عبدالناصر ادت إلي تطفيش هؤلاء إلي شتي ارجاء الدنيا. ولكنهم إلي يومنا هذا يبكون حنينا للعودة إلي حيث الوطن الذي سكن الفؤاد.. إلي أم الدنيا.
مبادرة العودة إلي الجذور التي نظمتها وزارة الهجرة عمل دبلوماسي من العيار الثقيل.. وتصحيح لخطيئة تمت منذ اكثر من ٦٠ عاما يوم تخلينا عن ابنائنا من اليونانيين والطلاينة والارمن!