فرخندة حسن
الكون ... هذا المجهول الذي يحتوينا «٢/٣»
عصر العلم
لا توجد حتي وقتنا هذا معلومة حقيقية عن نشأة وأصل الكون. وما هو مطروح علي الساحة العلمية هو عدد من النظريات المختلفة والمتباينة ولكل منها مؤيدوها ومعارضوها.
في منتصف القرن الثامن عشر لاحظ العالم الإنجليزي توماس رايت أن النجوم مبعثرة في السماء دون انتظام، لم يقتنع رايت بهذا من منطلق ديني بحت إيماناً منه بأن الله خالق هذه النجوم لا يمكن أن يخلق شيئا غير منتظم وأن هناك حتماً نظاما محددا يتحكم في توزيع النجوم في السماء. توصل رايت إلي أن النجوم التي نراها في السماء ترتبط ببعضها البعض وتنتمي لمجموعة محددة أسماها مجرَّة، وأن الشمس ما هي إلا نجم صغير ضمن نجوم هذه المجرَّة وأننا نعيش علي أحد الكواكب التي تدور حوله. نشر رايت نظريته في عام 1750 التي كانت بمثابة الإشارة الأولي نحو التعرف علي طبيعة الكون.
توالت الأبحاث بعد ذلك علي مدي ما يقرب من قرنين من الزمان ساد فيها الاعتقاد أن الكون يتكون من مجرَّة واحدة وتشمل بالإضافة إلي النجوم العديد من سحابات كونية تبدو مضيئة بسبب ما قد يدور حولها من نجوم، إلي أن جاء إدوين هابل في عام 1926 وباستخدام أحدث وأكبر تليسكوب في العالم في ذلك الوقت قام بدراسة أقرب هذه السحابات إلي الأرض وتوصل إلي أنها ليست سحابة كونية حولها بعض النجوم بل هي مجموعة كثيفة من ملايين النجوم التي تشع الطاقة الضوئية أي هي مجرَّة أخري المعروفة الآن باسم أندروميدا. وعلي مدي ستة أشهر فقط تمكن هابل من تحديد مواقع ثماني عشرة مجرَّة أخري وفوجئ العلماء بكبر حجم الكون الذي يفوق بدرجة كبيرة كل ما كانوا يتصورونه. لم يكن هذا هو الاكتشاف الوحيد لهابل فقد تمكن من تقدير المسافات بين النجوم ومكان الرصد أو الرؤية أي الأرض ومن التعرف علي أن المجرات ليست ثابتة بل تتحرك كلها مبتعدة عن مكان الرصد بسرعة فائقة. وهو ما أدي إلي اكتشافه الشهير والهام هو أن الكون يتمدد ويزداد في الحجم.
فسَّر جورج لوميتر في عام 1927 اكتشافات هابل بأن سبب تمدد الكون قد يكون نتيجة لكون كل مكوناته كانت مضغوطة بدرجة كبيرة في وقت مضي في مفردة أسماها »البيضة الكونية» ثم انفجرت محتوياتها تحت تأثير شدة الضغط والحرارة وأدت إلي ما تجسد الآن في صورة تمدد. لم يكن هناك ما يكفي من الأدلة العلمية لتعضيد هذا التوجه إلي أن قام جورج جاموه بمحاولاته لمعرفة المزيد عن ظاهرة تمدد الكون.. وهو موضوع المقال القادم.