الأهرام
أحمد سعيد طنطاوى
عقلانية وحكمة الدكتور الطيب
كنت صغيرًا أتمنى لو كنت طالبًا فى الأزهر.. لو أسندت ظهرى إلى أعمدة وخبرات وعلم وتاريخ الأزهر.. وأن يكون لى رواق هناك.. ربما كانت هذه رغبة والدى فقد كان يخشى علىّ من أن يتقاذفنى الزمن فاقترح الدراسة فى الأزهر.. وثارت أمى وأصرت على دخولى التعليم العادى.
وربما تكون تلك الأمنية سببًا جعلنى أتابع دائمًا زيارات الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف إلى الخارج.. فأنا أحب فيه سمت العلماء ووقارهم.

وأحب الرجل حين يتكلم فهو يُسمع.. وحين يقول فهو خَطيب.. وحين يتحاور مع الآخر ــ أى آخر ــ فهو سمح.. وكل هذا رغم أنني لم ألتق به وجها لوجه.

وأحببت كثيرًا كلمته فى روما فى شهر نوفمبر2017، أمام «مؤتمر حوار الشرق والغرب».. وكلمته عن الروهنجا المظلومين فى أرضهم، وأمام مسمع العالم أجمع، وكلماته المتتالية فى الإذاعة وبرنامجه الوحيد فى رمضان، فله طعم خاص وحضور مختلف.

وأحببت أيضا كلمته التى كتبها بعناية فائقة فى "المؤتمر العالمى للسلام" والذى حضره فى القاهرة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان.

ومنذ يومين زار الدكتور الطيب إندونيسيا.. ذلك البلد العاشق لمصر وأهلها وأزهرها.

حكى لى صديق مرة عن حجم التقدير والامتنان الذى لاقاه أخوه الأزهرى عندما ذهب للتدريس فى إندونيسيا.. الناس هناك يكادون يحملونه على الأعناق، ويجتهدون قدر إمكاناتهم لإرضائه، وتلبية ما يطلبه.. ويقفون له احترامًا ويتكلمون معه بلطف مع حب واحترام.

وإن كان هذا يحدث مع خريج مصرى من الأزهر الشريف، فما بالنا بشيخ الأزهر الشريف.

لذلك لم أستغرب ما قامت به الطالبات الإندونيسيات من ترديد النشيد الوطنى المصرى ترحيبًا بشيخ الأزهر.. فقد رفعن اسم مصر وحفظن نشيدها.. بغض النظر عن أن الزيارة رسمية ولها برنامج محدد.. ولكننى واثق من أنه لو تُرك الشيخ للناس لرفعوه فوق الأعناق وحملوه إلى أفضل البيوت وأرقاها.

فتقدير الإندونيسيين لمصر وأزهرها معروف ومعلوم.

وأيضًا لم أستغرب من بكاء الرجال أمامه، حين يتذكرون الأزهر ودوره، فبكاء الرجال ليس عيبًا كما نعتقد ونشيع.

فقد وقف الشيخ "حسن عبدالله سهل"، عميد كلية دار السلام كونتور للبنات بإندونيسيا، وهو أحد خريجى الأزهر الشريف، يخطب ويرحب بالإمام الأكبر، لكن الدموع انهمرت من عينيه، قائلا: "إننى فخور ومسرور لهذا الشرف العظيم بزيارة فضيلتكم، فعندما كنا نعيش فى مصر كنا ننهل من مائها ومن علوم الأزهر الشريف، وهؤلاء هن بناتك يا فضيلة الإمام، كلهن يأملن أن يكن بنات مصر، وبنات الأزهر.. وهذا هو شيخ الأزهر الذى طالما انتظرتن حضوره".

والدكتور الطيب لا يمسك مثل بعض الدعاة والمشايخ سيفاً فى لسانه وصوته ثم يقطع كل جميل ويجرح كل قلب.. بل على العكس الرجل رفيق رحيم.. والسيف عنده موجود للقضايا الكبري التى تحتاج إلى البتر.

وكتب فى إحدى المرات كاتبنا الكبير أنيس منصور يقول: "د.الطيب يجلس إليك ويتكلم معك ولا يجد للسيف ضرورة.. إنه يحاورك ويقنعك برفق.. وفى نفس الوقت يقطع فى كثير من القضايا ويمضى فى الحوار والحكايات، ولا يهمه إن كان البرنامج قد انتهى..

فالحوار متصل.. وهو لا يمسك لسانه عن الأساتذة الجهلة وبرغم حلاوة لسانه.."

د. أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر.. شكرًا لفضيلتكم فأنت فخر لنا جميعًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف