الوطن
جمال طه
النووى مقابل الباليستى.. لتحجيم إيران
اقتحام داعش لمبنى البرلمان، وتفجير مرقد الخمينى، فى قلب طهران 7 يونيو 2017، استهدف إجبار إيران على الانكماش داخل حدودها، ردت عليه طهران بقصف بالغ الدقة من أراضيها، لمواقع داعش بدير الزور شرق سوريا بالصواريخ الباليستية!!.. خطأ جسيم فى الحسابات، لأن رد العمليات الإرهابية، لا يتم باستخدام سلاح استراتيجى، يمس توازنات القوى بالمنطقة، خاصة أن لها وجوداً عسكرياً بسوريا، يكفى للانتقام بنفس الفاعلية.. الدفاعات الجوية الأمريكية أسقطت طائرة سوخوى سورية، والدفاعات السورية أسقطت مقاتلة F-16 إسرائيلية، لأول مرة منذ بداية الحرب، فى تصعيد متبادل لأول مرة فى تاريخ المواجهات.. بعد تراجع إدارة أوباما عن القصف صيف 2013، واقتناعها بعزم روسيا تجريد سوريا من أسلحتها الكيميائية 2016، وإطلاق يد إيران للتمدد بالمنطقة، استناداً للاتفاق الشامل، انقلبت إدارة ترامب على طهران!!

المخابرات الغربية دعمت اضطرابات إيران سعياً للإطاحة بنظام الحكم، وعندما تم إجهاضها، قصفت إسرائيل 12 موقعاً منها 4 إيرانية، وهاجمت مطارT-4.. أمريكا قصفت قاعدة الشعيرات، ووجهت ضربات صاروخية بتعاون فرنسى بريطانى.. موقع «يورنيوز واير» أكد إسقاط إسرائيل أول قنبلة نووية تكتيكية منذ الحرب العالمية الثانية، على مستودعات الصواريخ الإيرانية بريفى حماة وحلب، ومركز الزلازل رصد هزة أرضية 2.9 ريختر، لكن الصمت الإيرانى السورى لتجنب إحراج عدم الرد.. نتنياهو كشف عن تفاصيل القصف النووى السورى 2007، وأسرار النووى الإيرانى، والكنيست خوله وليبرمان بإعلان الحرب دون الرجوع إلى دوائر صنع القرار.. ترامب يهدد بإلغاء الاتفاق الشامل، واستئناف العقوبات، وحالة تعبئة سياسية وعسكرية شاملة لإجبار إيران على الانسحاب من سوريا، وتخفيف وجودها بالعراق، ووقف دعم الحوثيين بالصواريخ الباليستية.. أمريكا وإسرائيل بدأتا حرب تحجيم الدور الإيرانى.. التناقض بين إطلاق يدها، والحملة الراهنة لتحجيمها، ناتج عن عدم تفهم طهران أن الأولى مقيدة بعدم الاقتراب من إسرائيل.. ولكن «سبق السيف العذل». القوات الإيرانية بسوريا تقدر بـ3000 عنصر «حرس ثورى»، 9.000 «حزب الله»، 10.000 «ميليشيات أفغان، عراقيين، وباكستانيين..»، طهران تسعى لبناء قاعدتين بحريتين، ومصنع للصواريخ الباليستية، قرب القواعد الروسية فى حميميم وطرطوس باللاذقية.. نتنياهو حذر «إسرائيل لن تسمح بذلك».. ماتيس وزير الدفاع الأمريكى بحث مع ليبرمان آليات مواجهة الوجود العسكرى الإيرانى، على هامش مؤتمر مينخين الألمانى للأمن «فبراير الماضى».. ونتنياهو شدد فى موسكو على كبح جماح الطموح الإيرانى «مارس».. ماتيس فى السعودية «أبريل»، أكد العداء لإيران «حيثما توجد مشاكل بالشرق الأوسط، توجد إيران».. وفى إسرائيل اتهمها بالتوسع فى سوريا واليمن، وتهديد المنطقة بالصواريخ الباليستية.. ماتيس استقبل ليبرمان بواشنطن 26 أبريل، وخرج الأخير ليؤكد «آمل تجسيد نتائج لقائنا بالأفعال»!!.. مما يؤكد اتفاق الدولتين على آليات مواجهة الوجود الإيرانى. الوجود الإيرانى فى سوريا يستخدم دائماً كورقة مساومة بين أمريكا وروسيا، ومحوراً للاتصالات الإسرائيلية مع موسكو، آخرها كان قبل الضربة الصاروخية 14 أبريل، مما يفسر زيارة على أكبر ولايتى مستشار المرشد لدمشق قبلها بيومين، وتلويحه بتحرير إدلب، وطرد الأمريكيين من شرق الفرات، مدغدغاً تطلعات السوريين.. تصريحات ولايتى تمثل انقلاباً على تسويات آستانة، وتراجعاً عن اتفاق مناطق خفض التصعيد، وتعتبر استهدافاً مباشراً لمصالح تركيا، الضامن للفصائل المسلحة فى إدلب وريف حلب، والمحتلة لمنطقة عفرين بالشمال، التى توجه إليها مهجرو الغوطة.. زيارة ولايتى عكست أيضاً قلق طهران من استبعاد ميليشياتها عن خوض معركة «الغوطة»، وانتشار الشرطة العسكرية الروسية فيها، ناهيك عن موقف موسكو السلبى من الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية، الأمر الذى قد يعكس جدية ما تردد عن توافق روسى أمريكى إسرائيلى، على تحجيم الوجود الإيرانى فى سوريا.

إسرائيل لم تكن تضع حساباً كبيراً لمخاطر الهجمات الصاروخية الإيرانية، بسبب عدم دقتها، وبعد المسافة عن إيران، وقوة شبكة الدفاع ضد الصواريخ فى إسرائيل.. بعد الضربة الصاروخية الدقيقة لدير الزور، والهجمات الحوثية على الرياض، بدأت إسرائيل تشعر بالقلق، وازداد بتضاعف حجم المخزون الصاروخى لحزب الله، لذلك فإن إسرائيل لا يمكن أن تقف طويلاً صامتة أمام هذا التهديد، وإذا كانت قد بدأت بمواجهة إيران، بحكم اهتمامها بقطع خطوط التواصل البرى بين إيران وساحل المتوسط عبر العراق وسوريا لإجهاض مشروع مد أنابيب لتصدير الغاز والنفط الإيرانى، لمنافسة غاز شرق المتوسط، وبهدف قطع الدعم عن حزب الله اللبنانى، فإن معركة إسرائيل مع الحزب لن تتأخر طويلاً.. أمريكا تقوم بدعم وجودها العسكرى شمال سوريا، وتعزيز دعمها اللوجيستى للمجموعات الموالية، لإغلاق الشريط الممتد من الجنوب السورى حتى الرقة والحسكة، وهى لن تُقدم على الانسحاب الكامل قبل حسم تلك المواجهات، خاصة أن ترامب يستهدف تقاضى مقابل خليجى مجز عن تحجيم دور إيران بالمنطقة. روسيا والنظام السورى يدركان صرامة الموقف الأمريكى والإسرائيلى من الوجود الإيرانى، ولكن كلا الطرفين ليس على استعداد للتخلى عن تحالفه الاستراتيجى مع طهران، إلا لو تعارض مع مصالحهما مباشرة، ولكن هناك توافقاً على الحد مما يمكن أن يسببه ظهور إيران فى الصدارة من استفزازات؛ تحميل موسكو للشرطة العسكرية الروسية مسئوليات ضبط الأمن بالمناطق المحررة، بدلاً من الميليشيات الإيرانية، وتجاهل دمشق لإيران فى عمليات إسناد مشاريع التعمير، يفسران بدء عبارات «الندب والولولة» من جانب المسئولين الإيرانيين؛ ولايتى: «لولا إيران؛ لسقطت الحكومة السورية خلال أسابيع»، اللواء يحيى رحيم المستشار العسكرى للمرشد: «لولا إيران؛ لما تمكن الروس من عمل شىء»، صحيفة (قانون): «ندفع ونتحمل تكلفة الحرب، وعند الحصاد؛ يجلس آخرون لتقاسم الكعكة»، موقع (تابناك) التابع للحرس الثورى تساءل: «من المسئول عن إقصاء إيران من عمليات إعادة إعمار سوريا؟».. طهران بدأت فى دفع رجال الأعمال والمقاولين لشراء أراض وبناء عقارات فى أماكن مختلفة بسوريا، تحسباً لتعرضها للغدر، وإخراجها من سوريا، ضمن صفقة دولية متوقعة!!. أولويات النظام السورى فى مرحلة ما بعد داعش أصبحت بناء ما دمرته الحرب، إعادة المهاجرين، كفالة الأمن، واستئناف خدمات المرافق الأساسية.. وهى مهام يستحيل أداؤها دون حد أدنى من التوافق مع أمريكا وإسرائيل، وهذا لن يتسنى تحقيقه فى ظل استهداف أمريكا وإسرائيل للوجود الإيرانى.. النظام عليه أن يعى دروس الحرب، وأن يعيد حساباته من جديد، المصالح السياسية لإيران كانت الدافع الرئيسى لدعمها العسكرى له، والمصالح الوطنية السورية تفرض على دمشق حالياً تقليص وجود طهران، حرصاً على استعادة الاستقرار، وتجنباً للتعرض للاستهداف بالتبعية.. المواءمات السياسية وحدها يمكن أن تسمح للنظام بتحييد أعدائه، وكسب المحايدين، وتعبئة الدعم الدولى، وتوفير المناخ المناسب لإعادة بناء ما دمرته الحرب، والأهم، تعويض الشعب السورى عن سنوات مريرة، من الحرب والشتات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف