الوطن
د. محمود خليل
«قطم ضهر» الطبقة الوسطى
لم تدفع طبقة ثمناً لإجراءات الإصلاح الاقتصادى التى تتبناها الحكومة مثلما دفعت الطبقة الوسطى. فهى تتحمل العبء الأكبر الناتج عن القرارات التى لا تتوقف الحكومة عن اتخاذها للتخفف من الدعم، وما يترتب عليها من ارتفاعات متوالية فى أسعار السلع والخدمات، وهى من ناحية أخرى الطبقة التى تدفع ثمن تراجع النشاط السياحى والاستثمارى بمصر، وتوقف العديد من المشروعات نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج.

تحت بند «الإصلاح والتطوير» اتخذت العديد من القرارات التى زلزلت الأرض من تحت أقدام الطبقة الوسطى، بدءاً من قرار تعويم الجنيه، وحتى القرارات الأخيرة التى اتخذها الدكتور طارق شوقى، وزير التعليم، فى إطار مشروع تطوير التعليم، وكان من بينه إلغاء نظام اللغات بالمرحلة الابتدائية فى المدارس التجريبية بدءاً من 2019. خلال السنوات القليلة الماضية سقطت الشريحة الأدنى من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة، وهبطت الشريحة المتوسطة إلى الأدنى، والأعلى إلى المتوسطة. ومع موجة الغلاء المتوقعة إذا نفذت الحكومة ما عزمت عليه من تخفف فى دعم الوقود والكهرباء فلك أن تتوقع ضربة قاصمة لظهر هذه الطبقة، بصورة ستهدد بتآكلها بشكل ينذر بالخطر على هذا المجتمع.

«قطم ضهر» الطبقة الوسطى يعنى ببساطة تراجع مدخرات المصريين بصورة أو بأخرى. فأمام الغلاء لم يعد لدى العديد من أفراد هذه الطبقة أى قدرة على التوفير، والأخطر أن أغلبهم بدأ يستنزف مدخراته داخل البنوك حتى يتمكن من التواؤم مع الأوضاع غير المحتملة التى أوجدها الغلاء. تآكل هذه الطبقة يعنى ركوداً اقتصادياً سيضرب الكثير من المشروعات، فأفرادها أكثر من غيرهم ميلاً للاستهلاك والإنفاق، ولك أن تتوقع مستقبل المشروعات المتوسطة فى مصر فى ظل هذا الركود. تآكل هذه الطبقة يعنى أيضاً ضرباً لآلية التكافل كواحدة من الآليات التى مكنت المجتمع المصرى من الصمود عبر عقود طويلة، حيث امتاز العديد من أبناء هذه الطبقة بكفالة غيرهم من أفراد الطبقة الفقيرة بأشكال وصور مختلفة.

نمط الأداء الحالى يؤشر إلى أن الحكومة تحل مشكلاتها ولا تأبه إلى توابعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويتسم الكثير من الوزراء الحاليين بقدر ظاهر من التعالى فى التعامل مع المواطنين، خصوصاً من أبناء الطبقة المبتلاة. فهم وحدهم الذين يفهمون رغم أن منهجيتهم فى التفكير والتدبير تفتقر إلى الوعى بالسياق والأبعاد السياسية والشعبية لما يتخذونه من قرارات. وحقيقة الأمر فإن المتابع لهم قد يجد فى كلامهم أحاديث لا تنتهى عن التطوير، وثقة مفرطة فى أنهم يمتلكون مفاتيح الحل لكل المشكلات، وحالما تسأل عن التفاصيل الخاصة بخطط التطوير والإصلاح والنتائج التى ستترتب عليها، لن تجد سوى شعارات هائمة وعبارات غائمة، لو أنك استوقفت أحدهم وسألته عنها سيجيبك بأن خطته ستطبق ستطبق، ولا بأس من أن يشفع كلامه هذا بنوع من التهديد لمن سأل حتى يصمت عن الكلام!. وأغلب من يتحدثون أو يعلقون بالطبع هم من أبناء الطبقة الوسطى التى قررت الحكومة تسليمهم تسليم أهالى لغول الفقر. وفى ذلك خطر لو تعلمون عظيم!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف