الوطن
د. محمود خليل
الحرب على إيران
قبل عدة أيام عقد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مؤتمراً صحفياً، كشف فيه عن مجموعة من الوثائق التى تثبت أن إيران تواصل برنامجها النووى، وأنها نقلت العمل النووى إلى موقع سرى، بعدها ثنّت الإدارة الأمريكية على كلام تل أبيب، ونقلت جريدة «الدستور» أن ترامب قرر مبدئياً الانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران، وهو ما يمهد لإعلان انسحاب نهائى خلال شهر مايو الحالى، ثمة نذر كثيرة تتراكم تؤشر إلى احتمال اندلاع هجوم على إيران يستهدف برنامجها النووى.

من الوارد طبعاً أن يقع مثل هذا الهجوم، وهناك دول خليجية تؤيده، ولديها استعداد كامل لدعمه، وإسرائيل تريد القضاء على البرنامج النووى الإيرانى بأى صورة من الصور، لكن القارئ لتاريخ الصراع بين الطرفين الأمريكى/ الإسرائيلى من جهة والطرف الإيرانى من جهة أخرى لا بد أن يتحفظ على إمكانية وقوع هجوم من هذا النوع، لو أنك تذكر الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) وما شابها من أحداث ستجد أن الولايات المتحدة بدت وكأنها تؤيد العراق ومن ورائه دول الخليج ضد إيران، ثم اكتشف العالم بعد ذلك أن واشنطن وتل أبيب كانتا المصدر الأهم لتزويد طهران بالسلاح عبر صفقة إيران جيت، والمعنى أن حملات الهجوم المعلنة وتبادل التهديدات عبر وسائل الإعلام أمر والعلاقات السرية أمر آخر، نحن نعيش فى عالم تحكمه المصالح ولا يغرنك حفلات الصراخ وتبادل الاتهامات بين الدول.

تعلم إسرائيل أيضاً أن القيام بمثل هذا الهجوم على إيران سيكون له كلفة كبيرة عليها، فسوف تفتح على نفسها الكثير من الجبهات داخل المنطقة، وهى تعلم أكثر من غيرها خريطة انتشار الأذرع الإيرانية بالإقليم الذى نعيش فيه، وأغلب الظن أن إيران لن تترك هجوماً من هذا النوع دون رد، فى مواقف كثيرة، بعيدة وقريبة، جرى العرف الإسرائيلى على القيام بالخطوة ثم الحديث عنها، ذلك يحدث أسبوعياً فى الهجمات التى تشنها أسبوعياً على سوريا، وتقصف من خلالها مواقع عسكرية إيرانية، عندما تجد أن تل أبيب تصرخ وتصرح وتقيم المؤتمرات الصحفية، فالأرجح أنها لن تفعل شيئاً، من الوارد أن تكثف إسرائيل هجماتها على مواقع حزب الله والحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، انتقاماً من طهران، لكن تطور الأمور إلى ما هو أبعد من ذلك يبقى محل شك، بسبب ما سيتكلفه.

تحلل الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووى الإيرانى أصبح مسألة وقت، لكن ذلك لا يعنى أيضاً هجوماً على إيران، ولو أنك تذكر الكلمة التى ألقاها «ترامب» فى قصر اليمامة خلال زيارته للمملكة العربية السعودية (مايو 2017) فستجد أنه تحدث كثيراً عن التهديدات الإيرانية للمنطقة، وأكد على ضرورة تقليم أظافرها بها، وهو حديث أعجب الرياض وأشجاها، لكن عملياً لم يفعل «ترامب» منذ هذا التاريخ شيئاً، الأرجح أن إلغاء الاتفاق سيعقبه حصار وعقوبات غربية أكثر على إيران، وفى تقديرى أن إجراءات جديدة من هذا النوع سوف يكون لها تأثيرات موجعة على إيران التى يعانى اقتصادها من مشكلات عدة، ناتجة عن السخاء الذى تنفق به طهران على مغامراتها العسكرية فى المنطقة، بالإضافة إلى عوامل أخرى عديدة، وقد بان صدى الأوجاع الاقتصادية التى يعانى منها الشعب الإيرانى فى المظاهرات والحركات الاحتجاجية داخل إيران، وبالتالى فالعقاب الحقيقى للنظام الإيرانى سيكون مصدره الشعب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف