المصريون
جمال سلطان
هل شاهدتم احتفالات آسيا بشيخ الأزهر ؟!
يقوم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ، شيخ الأزهر ، بجولة دينية في أندونيسيا وسنغافورة ، للالتقاء بقادتها لتفقد أوضاع المؤسسات التعليمية والدينية وكذلك للالتقاء بأبنائه طلبة الأزهر من تلك البلدان وخريجيه ، والصور والمشاهد التي تناقلتها وكالات الأنباء والصحف والفضائيات لزيارة شيخ الأزهر مذهلة بكل معنى الكلمة ، ليس فقط على المستوى السياسي ، حيث كان يحرص على استقباله رؤساء الدول ورؤساء الوزارات والوزراء وكبار رجال الدولة في لقاءات تظللها الهيبة والاحترام البالغ ، تشعر فيها أنهم يتعاملون مع فضيلة الإمام كحدث دولي استثنائي ومهم لبلادهم ، هذا فضلا عن الحشود الضخمة من المسلمين الذين يكونون في استقباله ، من أول وصوله إلى المطار والطريق من المطار إلى المدينة ، وفي مختلف الأماكن التي يزورها ، لا يوجد زعيم فكري ولا سياسي ولا ديني يحظى بتلك الهيبة وهذا الحضور عالميا إلا اثنان : شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان .
كان مبهجا أن ترى آلاف الطلاب في اندونيسيا وهم يصطفون لاستقبال فضيلة الشيخ وهم يغنون النشيد الوطني المصري بلغة عربية سليمة ، (بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي ، مصر يا أم البلاد أنت غايتي والمراد ، وعلى كل العباد كم لنيلك من أيادي) ، ولك أن تتخيل كل هذا العشق لمصر تلهج به ألسن شبان وشابات في اندونيسيا ، كل صلتهم بمصر هي الأزهر ، حيث كانوا من أبنائه الذين نهلوا من نبعه ، كما كان مبهجا أن تسمع من القيادات الرفيعة في البلدين عن الحضور الكبير لخريجي الأزهر في مختلف إدارات الدولة الرفيعة هناك ، وهو ما يذكرنا بأيام كان الأزهر بعافيته ونشاطه في أفريقيا ، حيث أصبحنا نجد رؤساء الجمهورية في بعض بلدان أفريقيا من طلبة الأزهر ، ووزراء بمن فيهم وزراء خارجية من طلبة الأزهر .
ينظر قادة آسيا ، وبالإجماع ، إلى الأزهر باعتباره المرجعية الأعلى للمسلمين في العالم ، وضمانة الوسطية ، وخط الدفاع الأول ضد التطرف والإرهاب ، وهم يحاولون استلهام تجربته في مواجهة الفكر المتشدد ، وقال السيد "لي هسين لونج"، رئيس وزراء سنغافورة، أثناء احتفاله بفضيلة الإمام : (إن خريجي الأزهر يتولون جميع المناصب الدينية في البلاد ، ويساهمون بقوة في تعزيز قيم التسامح والتعايش بين أبناء المجتمع، وفي التصدي للأفكار المتطرفة) ، وأضاف (أن هذا هو ما يفسر حرص مسلمي سنغافورة على إيفاد أبنائهم للدراسة في الأزهر، مشيدًا بكون الأزهر مؤسسة عالمية مستقلة لا دخل لها بالسياسة مؤكدا أن الأزهر يحظى باحترام واسع من السنغافوريين، لمنهجه الوسطي، البعيد عن التطرف والإقصاء) ، تسمع هذا الكلام من "الغريب" وتتعجب من أصوات العار والكذب في مصر ، بلد الأزهر ، الذين لا يتورعون عن اتهام الأزهر بنشر التطرف وأن مناهجه تخدم الإرهاب ، أو من يتهمونه بأنه لا يقوم بدوره في مواجهة الفكر المتطرف ، وكل تلك أكاذيب رخيصة ، وتحرشات تدفعها أحيانا ميول لا دينية متطرفة ، وأحيانا خلفيات طائفية بغيضة.
عندما نكون بإزاء الحديث عن القوة الناعمة لمصر في العالم أجمع ، فسيستغرق الحديث عن الأزهر أغلب تلك المساحة ، لأنه أهم وأقوى قوة ناعمة لمصر في مختلف أرجاء الدنيا الآن ، وهو ما يستوجب حماية تلك المؤسسة العريقة ، وإبعادها عن مهاترات بعض طلاب الشهرة الرخيصة ، وتعزيز استقلالها ، وإبعادها عن "شهوة" الابتزاز السياسي من أي جهة ، مصرية أو غير مصرية ، سلطة أو معارضة ، لأن هذا الأمر يضر بسمعة الأزهر ومكانته وحرمته ، ويفرغ هيبته من أي حرمة على المدى الطويل فتكون الخسارة في كل شيء .
مؤسف جدا أن يكون العالم كله ينظر إلى الأزهر وشيخه بمثل ذلك الإكبار والهيبة والاحترام ، بينما هناك من يتحرشون بالأزهر في البرلمان وفي بعض أجهزة الدولة ، ومؤسف أيضا أن يكون هناك أقلام مستهترة ونزقة وجاهلة ، تستعرض عضلاتها المزيفة في نقد الأزهر والتشهير به ، فنكون كمن قال الله فيهم "يخربون بيوتهم بأيديهم" ، وقد آن الأوان أن تكون للقيادة السياسية في مصر موقفها الواضح تجاه هذه الاعتداءات المتكررة على الأزهر وشيخه ، فهو لا يقل حرمة عن البرلمان أو القضاء ، فإن كنا نحرص على تحصينهما من التشهير ، فالأولى أن نحرص على تحصين الأزهر وشيخه ، أيا كان اسمه ، من التشهير والتحرش غير المسئول والاعتداءات الرخيصة في بعض الصحف والفضائيات .
احموا الأزهر ، وعززوا من استقلاله ، وأكرموا أهله ، علماء وطلابا ، تضمنون نجاح معركتنا ضد التطرف والإرهاب ، كما نضمن الحفاظ على أهم قوة ناعمة باقية لمصر في عالم اليوم ، الذي تقلص فيه حضور مصر العلمي والمعرفي والإعلامي والثقافي والأدبي والفني ، الذي صنع لها مكانتها طوال القرن الأخير .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف