عبد الله البقالى
لا بد من منسوب عال من السذاجة والغباء لنصدق
حديث الأسبوع
من الطبيعي أن تجذب بعض الأحداث والوقائع الانتباه والاهتمام إليها بالنظر إلي ما تختزنه من دلالات، خصوصا إذا كانت هذه الأحداث تخرج إلينا مرتبة ومتزامنة، لذلك فإن مستجدات متناثرة هنا وهناك تهم قضية ما يعرف ب »معاداة السامية» تبدو جديرة بالاهتمام بل وتستحق كثيرا من الدراسة والتحليل.
لنبدأ بقضية تثير جزءا كبيرا من الاهتمام من هذا القبيل، ففي فرنسا أقدمت خلال الأيام القليلة الماضية ثلاثمائة شخصية فرنسية مرموقة جدا تنتمي إلي عوالم السياسة والفن والثقافة، علي توقيع عريضة تتهم فيها »الدين الإسلامي بمعاداة السامية»، وطالب الموقعون الذين كان من بينهم الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي ورئيس وزراء فرنسا السابق مانويل فالس والمغني الفرنسي الشهير شارل أزنافور والممثل جيرار ديبارديو ب »إبطال وإلغاء سور من القرآن الكريم» لأنها -حسب ادعائهم- » تدعو إلي قتل ومعاقبة اليهود والمسيحيين والملحدين»وأسهب الموقعون علي العريضة المذكورة التي نشرتها إحدي الصحف الفرنسية تحت عنوان »ضد معاداة السامية الجديدة» في الحديث عن »خطر التطرف الإسلامي والتطهير العرقي الصامت الذي تتعرض له الطائفة اليهودية ». ويبدو من هذه الخطوة التي أقنعت هؤلاء بالإقدام عليها في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة أن الهدف الحقيقي منها لم يكن الحرص علي مناهضة التطرف عبر الإسلام، بل لعل ذلك كان مجرد وسيلة لإعادة الحياة إلي قضية »معاداة السامية» التي توارت إلي الخلف في اهتمامات الرأي العام الفرنسي خاصة والرأي العام الأوروبي عامة. ولابد أن نذكر بما أكدته وزارة الداخلية الفرنسية نفسها، حينما أوضحت في هذا الصدد أن » الأعمال المعادية للسامية سجلت تراجعا في فرنسا للعام الثالث علي التوالي» وأكدت أن نسبة التراجع فاقت 7 بالمائة.
وحدث في بولونيا قبل حوالي شهرين من الآن أن اضطر البرلمان البولوني للاجتماع ليصوت في فاتح فبراير الماضي علي قانون جديد يبرئ »الأمة البولونية من أية مسؤولية عن المحرقة التي تعرض لها اليهود في ألمانيا» والبرلمان البولوني - علي ما يبدو- كان يرد بشكل واضح وفصيح علي الانتقادات العنيفة الصادرة عن جهات معلومة في مواجهة ما اعتبرته » تنامي ظاهرة التسامح مع معاداة السامية » في بولونيا بعد أن أضحي الحديث عن إنكار المحرقة أو التنكيت عليها سلوكا طبيعيا وعاديا. بل إن وتيرة ردود الفعل في هذا الصدد كانت أكثر جدية وعنفا بعد مصادقة البرلمان البولوني، علي قانون لم يكن ضمن أولويات الشعب البولوني وصلت إلي مستويات غير مسبوقة فعلا ليس أقلها قوة أن تنقل قناة تليفزية بولونية عبارة وردت في لافتة خط عليها بالبنط العريض »اليهود كشفوا عن وجههم. إن صناعة الهولوكوست خدمتهم في ابتزاز بولونيا» ولنا أن نلاحظ أن البرلمان البولوني ترك كل القضايا الحيوية والاستراتيجية التي تهم الشعب البولوني ليهتم بقضية »معاداة السامية » في بلد لم تكن هذه القضية مطروحة عليه بالمرة.
في ألمانيا نجح شاب سوري في إثارة القضية من زاوية أخري لاقت اهتماما كبيرا لدي الكثير من وسائل الإعلام الألمانية التي تعاطفت معه قبل أن تنقلب عليه، فقد صور الشاب السوري مقطع فيديو لاعتداء تعرض له بصفته يهوديا من طرف شخص آخر، واشتعل الاهتمام الإعلامي وانشغل الرأي العام بهذه القضية التي اعتبرت مظهرا من مظاهر تصاعد معاداة السامية، ولكن حينما كشف الشاب عن جنسيته وديانته الحقيقية سارعت السلطات الأمنية إلي اعتقاله. واستغل المجلس المركزي لليهود في ألمانيا الحادث لخدمة حساباته السياسية، وأعلن في هذا الصدد أنه سيضع قريبا إحصائيات رسمية في شأن معاداة السامية. يذكر في هذا الشأن أن مجموع اليهود في ألمانيا لا يتجاوز مائة ألف.
الأمر يبدو أكثر حدة في النمسا، إذ بعد وصول الحزب النمساوي للحرية إلي سدة الحكم بعد تحالفه مع المحافظين قبل أربعة أشهر خلت ، فقد توارت القرارات التأديبية والزجرية ضد أشخاص اتهموا بمعاداة السامية، ورغم أن الحزب النمساوي للحرية لا يختلف عن غريمه الجبهة الشعبية في فرنسا في معاداة اليهود والمسلمين علي حد سواء فإنه يجتهد في إظهار براءته من هذه العقيدة العنصرية الخطيرة، ويكفي التذكير هنا بما أكده مسؤولو هذا الحزب حينما أكدوا بأنه» أمامهم مسؤولية تجاه ذاكرة ضحايا الهولوكست ».
هذه عينة من وقائع وأحداث كثيرة تعج بها القارة الأوروبية تزامنا مع المجازر الرهيبة التي يقترفها الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، ولعلها حيلة من حيل الآلة الإسرائيلية في افتعال قضايا تلهي الرأي العام الأوروبي عما يحدث فعلا، والأمر قد لا يتوقف عند هذا الحد، بل قد يتجاوزه في إطار صناعة إعلامية صهيونية تبرر الجرائم ضد الإنسانية، التي تقترف كل حين فوق الأراضي الفلسطينية الطاهرة بدماء شهدائها الأبرار.
• نقيب الصحفيين المغاربة